ألكرامة
+ كرامة الله:
يكشف لنا سفر الرؤيا جانبا من كرامة الله على قدر فهمنا الإنساني البسيط فيقول”وفي وسط السبع المناير شبه ابن انسان متسربلا بثوب إلى الرجلين ومتمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب. وأما رأسه وشعره فأبيضان كالصوف الأبيض كالثلج، وعيناه كلهيب نار، ورجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون، وصوته كصوت مياه كثيرة، ومعه في يده اليمنى سبعة كواكب. وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها. فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت فوضع يده اليمنى علي قائلا لا تخف أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتا وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين، ولي مفتاح الهاوية والموت”(رؤ1: 13 – 18).
كما نرى أيضا الأربعة الحيوانات الغير المتجسدين أمام العرش الإلهي يصرخون بمعرفة(مملؤون أعينا من داخل) قائلين”قدوس قدوس قدوس الرب الإله القادر على كل شيء الذي كان والكائن والذي يأتي. وحينما تعطي الحيوانات مجدا وكرامة وشكرا للجالس على العرش الحي إلى أبد الآبدين، يخر الأربعة والعشرون شيخا قدام الجالس على العرش ويسجدون للحي إلى أبد الآبدين ويطرحون أكاليلهم أمام العرش قائلين: أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء وهي بإرادتك كائنة وخلقت”(رؤ4: 8 –11). ويقول الرب عن نفسه في سفر ملاخي”لأني أنا ملك عظيم قال رب الجنود وإسمي مهيب بين الأمم”(ملا1: 14).
أحبائي، الكتاب المقدس مملوء بالآيات التي لا حصر لها في كرامة الرب ومجده. ولكن دعونا اليوم نسأل أنفسنا هل نحن نعطي الكرامة لإلهنا كما يليق؟ ! أخاف ياقارئي العزيز أن تكون الإجابة، مع الأسف لا. هل اختبرنا معنى السجود الحقيقي حتى الأرض أمام الرب في الصلاة بالروح والحق؟!، ثم هل ذقنا حلاوة التسبيح للرب من القلب والذهن، وتهليل النفس لنشارك السمائيين في هتافهم: قدوس قدوس قدوس؟. لقد طالب الله أولاده بأن يكرموه فتسآءل في سفر ملاخي”الإبن يكرم أباه والعبد يكرم سيده، فإن كنت أنا أبا فأين كرامتي وإن كنت سيدا فأين مهابتي؟!”(ملا1: 6).
+ كيف نكرم الله؟!:
أبسط الأمور لكي نكرم الله أن يكون هو الأول في حياتنا في كل شيء. فهو الأول والآخر، البداية والنهاية. والسؤال لكل منا بماذا نبدأ يومنا؟! هل بالشكر والصلاة والسجود وتقديم المجد لعزته والفرح بنعمته لنا كإله ومخلص ومعطي الحياة؟!. هل نأتي إليه كأب لنا وواهب كل الخير رغم عدم استحقاقنا؟!، أم أن بداية يومنا تتركز في كيف نتهيأ للذهاب إلى أعمالنا وفي عجالة نركض في طريقنا قبل الزحام في المرور غير ناسين كوب القهوة أو الشاي أو… أو … إلخ.
ثم هل نكرم الرب من أموالنا التي هي منه وبه وقد أقامنا عليها أمناء لنصرفها فيما يمجد اسمه ويفيدنا في حياتنا لنكون مؤهلين للملكوت السماوي معه إلى الأبد؟!
يقول سفر الأمثال:”أكرم الرب من مالك ومن كل باكورات غلتك، فتمتليء خزائنك شبعا وتفيض معاصرك مسطارا”(أم3: 9). فبكور المال والوقت وكل ما يجد في حياتنا لابد أن نفكر أولا في أن نكرم الله بنصيبه في هذه جميعا. حتى في أي سكن جديد ننتقل إليه فإننا ندعوا كهنة الكنيسة لعمل صلاة تبريك المنازل إكراما للرب ليتنازل ويبارك البيت الجديد. ألم يعمل سليمان الملك هذا عند تدشين البيت الذى بناه للرب(1مل:8)؟!.
إن أعظم تكريم لله – الثالوث القدوس – هو الإيمان به وبعمله فينا وقبول هذا العمل وطاعته داخلنا كل أيام حياتنا إلى أن يأتي ملكوته على الكل. فالآب أحبنا منذ الأزل فخلقنا بكلمته الذي هو الإبن ونفخ فينا نسمة الحياة بروحه القدوس فصرنا نفسا حية(تك1: 26 –31 ،2: 7- 25). ولما سقط الإنسان بغواية الحية القديمة، لم يتركنا إلهنا بل أظهر محبته ألغير محدوده لخلاصنا”لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”(يو3: 16). وهكذا ظهرت محبة الآب بإرساله إبنه الوحيد الكلمة ليتجسد ويشابهنا في كل شيء ما خلا الخطيئة وحدها. وظهرت محبة الإبن بطاعته لحب الآب لنا حتى الموت موت الصليب. ثم ظهرت محبة الروح القدس الأقنوم الثالث في الثالوث القدوس بأن انسكب على الكنيسة يوم الخمسين ليلد المؤمنين بالثالوث أولادا لله كل يوم من بطن المعمودية، ويمكث معنا يأخذ مما للمسيح ويخبرنا(16: 14).
ياأحباء الرب، كل من يعيش بكلمة الله ويستقبل مفاعيل الثالوث القدوس في حياته من خلال الكلمة والصلاة والشبع بالكنيسة وأسرارها، فهذا يكرم الله”ماذا أرد للرب من أجل كل حسناته لي؟!، كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو”(مز116: 12 ،13). كل من يترك حياته وقياد عقله لعمل الروح القدس سينال بركة إكرام الله، قيصير كمعلمه نورا للعالم وملحا للأرض”فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات”(مت5: 16). هنا سر الملكوت لإكرام الله أن ننطلق ندعو باسمه كارزين بحياة المسيح الذي فينا وشاهدين بعمله الخلاصي مدفوعين بعمل الروح القدس داخلنا بقوة، وفاعلية سر جسد الرب ودمه”فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء”(1كو11: 26).
ولابد لنا أن نعلم أن حفظ وصايا الرب في القلب للسلوك بها في حياتنا اليومية، هي من أعظم الطرق لإكرام الله وإظهار محبتنا له كأب لنا “ألذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي”(يو14: 21)…”إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلا”(يو14: 23).
+ بركات إكرام الله:
نحن نعلم أن الله القدير الغني بلا استقصاء، لا يمكن أن يكون مديونا لأحد. لذلك كل من أكرم الله فالله يكرمه أضعافا لا تحد. فمثلا الذي يكرم الرب من ماله في العشور والبكور والنذور والتقدمة، سيجد الرب يباركه حسب وعده ” هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود، إن كنت لا أفتح لكم كوى السموات وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع، وأنتهر من أجلكم الآكل فلا يفسد لكم ثمر الأرض ولا يعقر لكم الكرم في الحقل قال رب الجنود، ويطوبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرة قال رب الجنود”(ملا3: 11 –12).
وإكرام الله لخائفيه ومتقييه لا يمكن حصره فهو إكرام على مستوى فردي خاص جدا، وأيضا على مستوى العلن أمام الخليقة كلها في يوم استعلان الرب هكذا”متى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء، قيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار، ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يامباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبا فآويتموني، عريانا فكسوتموني، مريضا فزرتموني، محبوسا فأتيتم إلي… ألحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم”(مت25: 34 –40).
+ وبالإجمال يقول الرب”إني أكرم الذين يكرمونني والذين يحتقرونني يصغرون”(1صم2: 30). ألم يحن الوقت لنختبر بركات إكرام الله في حياتنا؟!.