Painting by Julius Garibaldi “Gari” Melchers (1891)
خلقة الإنسان:
عندما خلق الله الإنسان، لم يخلقه بالأمر المباشر كما فعل ببقية الخليقة، فنسمع الرب يأمر فيكون كما في حالة النور مثلا”وقال الله ليكن نور، فكان نور”(تك3:1)، وأما عن الإنسان فقال الله”نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا…فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا وأنثى خلقهم”(تك1: 26، 27). وكان عمل الله لخلقة الإنسان هكذا”جبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية “(تك2: 7). هذا هو أول ظهور لله في آدم الإنسان الذي جبل من تراب الأرض، فقد جعل فيه الرب صورته وشبهه ونفخة روح الحياة، لذلك منحه مع حواء وكل جنس البشر شركة سلطانه على خليقته الغير العاقلة”وباركهم الله وقال لهم أثمروا واكثروا واملأوا الأرض(وهذا كان قبل السقوط) واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض”(تك1: 28).
لقد أحب الرب آدم جدا ورأى أنه حسن جدا بعدما عمل الإنسان، لذلك لا نتعجب عندما نقرأ في سلسة أنساب السيد المسيح كما جاء في انجيل معلمنا لوقا البشير”…بن أنوش بن شيث بن آدم ابن الله”(لو3: 38).
ولكن، سقط الإنسان في آدم الأول حينما تعدى وصية الله وانجذب للتراب الذي فيه، والذي كان الله قد أخذه من الأرض ليعمل آدم، فلم يصم عن شجرة معرفة الخير والشر، وجلب بذلك اللعنة على الأرض التي جلب منها، فلوث الصورة وانفصل عن الشبه الإلهي. على أن الصورة الإلهية في جوهرها لا تتلوث، والشبه الإلهي ظل في كيان الإنسان يجذبه بالحنين إلى الله”ففي طريق احكامك يارب انتظرناك إلى اسمك وإلى ذكرك شهوة النفس، بنفسي اشتهيتك في الليل، أيضا بروحي في داخلي إليك أبتكر”(إش26: 8، 9). وأيضا في سفر الجامعة نقرأ”صنع الكل حسنا في وقته وأيضا جعل الأبدية في قلبهم”(جا 3: 11).
ومن أجل هذا الكنز الإلهي الذي كان مخفي في تراب حقل الإنسان، دبر الثالوث القدوس خطة لخلاص الإنسان، فبموافقة الآب وعمل الروح القدس أخلى الابن نفسه من مجده الإلهي ليولد من العذراء القديسة مريم بحلول الروح القدس، وكانت قوة الآب العلي تظللها، جاء المسيح كإنسان فباع كل ما يملك(أخلى نفسه) ليقتني الحقل المخفى فيه الكنز الإلهي(صورة الله وشبهه). وقد كلفه هذا الإخلاء أن يطأطيء سماء السماء وينزل آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس(الله ظهر في الجسد). وإن كان آدم الأول وهو عبد قد عصى الله ولم يصم عن الأكل من شجرة ظنا منه أنه يصير مثل الله، نجد الإله الابن الواحد مع الآب في الجوهر، يتجسد ويتأنس صائرا عبدا يتقي الله بالطاعة الكاملة بدءا من الصوم ومنتهيا بالموت على الصليب، ليقرر في أخر رحلة الطاعة أنه قد أكمل. في هذه اللحظة تم للابن شراء الحقل المخفى فيه الكنز ليردنا كخليقة جديدة طائعة لله الآب، لذلك رفعه الله وأعطاه اسما واستحقاق فوق كل اسمواستحقاق“مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه، لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة”(رؤ5: 9).
تسبحة الملائكة:
ما أعظم تجسدك ياابن الله، لقد نزلت إلى ذلنا لتكرمنا وإلى موتنا لتحيينا، وعدت لأبيك ونحن فيك خليقة جدية ليست من تراب الأرض كآدم الأول، بل مولدين جديدا من الماء والروح لنصير خلقة جديدة تقدمنا لله الآب ليكون لنا قدوم أمامه بلا لوم في المحبة، ورقيتنا وجعلتنا”ملوكا وكهنة لله أبيك”(رؤ1: 6).
إن ميلاد السيد المسيح كرامة عظيمة ومجد لله الآب الذي أظهرت محبته الإلهية بتجسد ابنه وموته على الصليب، لذلك لا عجب أن نسمع من الملائكة للرعاة” المجد لله في الأعالي”(لو2: 14). كما أنهمسرة للناس لأن المسيح صار سلامنا بين الله والجنس البشري وأيضا سلاما للناس بعضها مع بعض، فكل من يلبس المسيح تصير له أحشاء محبة الله للجميع هذه التي هي فائقة المعرفة.
حقا قال القديس بولس الرسول” وبالاجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد”(1تي3: 16). من هنا فلنكرم أجسادنا التي تقدست بالمعمودية ورشم الميرون وسبق أن كرم الله بشريتنا بظهور ابنه الوحيد الحبيب في الجسد، لذلك لننتبه لقول الكتاب”قدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله، عبادتكم العقلية”(12: 1). فالصلاة من القلب والذهن هي ذبيحة يشترك فيها الجسد، والصوم بانسحاق واتضاع أمام الله هو ذبيحة مقدسة يشترك فيها الجسد، كذلك السجود بالروح والحق يترجمه ويحققه الجسد بالركوع ووضع الجبهة العليا فيه على الأرض مع قرع الصدر، هذا وكل أنواع العبادة هي مقدسة بالروح مع مشاركة الجسد. “الجسد ليس للزنا بل للرب، والرب للجسد”(1كو6: 13). فما أعظم هذه البركات التي أخذناها بتجسد الله الكلمة.
نعم، فعيد الميلاد هو افتتاحية الأفراح والخلاص والعتق ورجوع الجنس البشري ليكون في شبه الله وصورته بالمسيح وإلى الأبد.