في مثل هذا الوقت من كل سنة، نتهيأ للدخول إلى آلآم الرب خلال رحلة الكنيسة معه ساعة بساعة، من وقت دخوله إلى أورشليم حتى وقت ارتفاعه على خشبة الصليب وموته ودفنه في القبر. إنه إعلان حب الآب للعالم كله،”لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية”(يو16:3). ثم نفرح بأن نقوم معه في قيامته من الأموات ناقضا أوجاع الموت.
ولقد كان الصليب هوغاية الرب في مجيئه الأول وتجسده، ولم يغب عنه أبدا صورة الصليب ولا ساعة صلبه، وأعلن هذا بوضوح في حديثه إلى الآب”ولكن لأجل هذا أتيت الى هذه الساعة”(يو27:12). لقد كانت طريقة موته على الصليب واضحة أمامه وأعلنها للجميع”وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلي الجميع، قال هذا مشيرا إلى أية ميتة كان مزمعا أن يموت”(يو33،32:12). وهكذا نرى خشبة الصليب ماثلة أمام الرب كوسيلة لخلاصنا، ومع هذا استهان بعذباتها وعارها من أجل حبه لنا”الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي”(عب2:12).
ولنتابع سويا ما يخص خشبة الصليب من المعاني والرموز خلاال العهد القديم والجديد معا. إنها تحمل معنى اللعنة والحياة معا، فالصليب خشبة، والخشبة شجرة، والشجرة مرتبطة بالأرض والطين والماء، فنلاحظ أنه”أنبت الرب الاله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل، وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر”(تك9:2). هنا نجد شجرة الحياة وبجانبها شجرة العار والموت، ومع هذه وتلك وضع الله حرية الأنسان. ومادام هناك حرية فهناك اختيار ومع الاختيار تحذير من اللعنة والموت، فهذه دائما محبة الله وصلاحه”وأوصى الرب الإله آدم قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل أكلا، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتا تموت”(تك17:2). ولكن آدم وحواء اختارا اللعنة والموت حينما أكلا من شجرة المعصية، وهكذا حلتاللعنة على الأرض التي أخرجت شجرة اللعنة وأيضا من ترابها جبل الرب آدم.
ولكن تفاضلت نعمة مخلصنا الصالح، آدم الأخير، حينما أخلى ذاته آخذا صورة عبد، وعوض العصيان أطاع حمل الله حتى الموت موت الصليب. وياللعجب، حينما رأيناه، وهوشجرة الحياة، يختار شجرة الموت ليصلب عليها ويحولها الى شجرة الخلاص، وخشبة اللعنة يعلق عليها ويسمر فيها جسده الطاهر فتخترق أجزاء من لحمه وعظامه وتدخل في نسيجها، ودمه الزكي الكريم يتخلل أليافها اليابسة، فتتحول الى خشبة البركة والفداء والعتق من الموت.ألم يقل الكتاب في نشيد الأناشيد”كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين، تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي، أدخلني الى بيت الخمر(دمه المقدس)، وعلمه(الصليب) فوقي محبة”(نش4،3:2).
وليس عجبا أن نجد الجموع مع الأطفال يستقبلون الرب عند دخوله أورشليم وبيدهم أغصان من الشجر وسعوف النخل ويصرخون قائلين أوصنا أي خلصنا، وكأنهم بإلهام الروح يشيرون إلى يسوع المخلص أنه بالصلب على شجرة اللعنة يصير لهم سلام وخلاص وحياة. ولعلهم قطعوا الأغصان من أشجار الزيتون المنتشرة عند جبل الزيتون، ليعلنوا دونما يدرون أن بصلب المسيح على الخشبة يصير سلامنا”تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا”(إش5:53)، “لأنه هو سلامنا”(أف14:2). فسلام لخشبة الصليب الذي به صار لنا الخلاص والفداء والسلام.
+ خشبة النجاة
عندما قرر الله أن يأتي بالطوفان على العالم الشرير، أمر نوحا البار بأن يصنع له فلكا من خشب ويطليه بالقار الأسود من داخل ومن خارج. ورغم أن لون الفلك ومنظره محاط بالسواد من كل جهة، إلا أن الذين دخلوا اليه نجوا من هلاك الطوفان المحتم، كذلك نرى في خشبة الصليب ومنظر المصلوب عليه ليس فيه ما يبهج النظر ولا ما يسر النفس أو يجذبها اليه”كعرق من أرض يابسة لاصورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه، محتقر ومخذول من الناس رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا محتقر فلم نعتد به”(اش3،2:53). وكما استهزأ جيل نوح به وهو يعمل في خشبة الفلك لمدة مائة عام، حتى جاء الطوفان وأهلكهم جميعا، كذلك كان الصليب، ومازال، مهزأة من الذين يرفضون النجاة والخلاص”فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهى قوة الله… ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة… لأن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس”(1كو18:1- 25).
+ عصاة العبور
كانت العصا في يد موسى هي أداة الخلاص لشعب اسرائيل، وبها تمت الضربات على فرعون وكل أرض مصر، وبها أيضا تم الخروج العظيم من أرض العبودية وعبروا البحر الأحمر للدخول إلى أرض الميعاد، وبها ضرب موسى الصخرة في البرية فأخرجت ماء ارتوى منه كل الشعب ولم يهلك عطشا، كذك فالسيد المسيح(صخر الدهور)، ضرب ضربة الموت على خشبة الصليب(العصا)، وطعن في جنبه بحربة مثبتة على عصاة، فخرج لنا من جنبه دم وماء للغفران والارتواء الأبدي”ضرب من أجل ذنب شعبي”(اش8:53). كذلك أيضا كانت عصا هارون التي أزهرت محفوظة في تابوت العهد الذي كان يحمله الكهنة واللاويون حتى عبروا نهر الأردن ودخلوا أرض كنعان، وظلت في التابوت طول الوقت رمزا وإشارة وشهادة على كهنوت المسيح – له المجد- الذي صار على طقس ملكيصادق بخبز جسده المكسور بالصليب، وخمر دمه المسفوك على خشبة العار. وبالصليب عبرنا من الموت إلى الحياة ومن الظلمة إلى نور الآب ومن عبودية إبليس إلى حرية مجد أولاد الله، وصار لنا سلام مع إلهنا.
بعصاة الصليب عبرنا من الغضب الألهي الذي انصب على شخص الحبيب عوضا عنا”أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن”اش10:53)، وصار لنا قبول ورضا أمام الآب في المسيح يسوع المضروب بعصا الصليب، من أجل هذا نصرخ جميعا كأبناء لله مع بولس الرسول الي قال”وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم”(غل14:6) .