هناك علاقة وثيقة بين الإيمان والصبر. فبدون إيمان يصعب جدا أن نصبر. فالصبر انتظار وتوقع وأمل في شيء نثق في حدوثه. فلو لم يكن هناك إيمان بالنبوات التي وردت عن مجيء السيد المسيح ليخلص العالم، ماكنا نرى الأجيال تلو الأجيال تصبر وتنتظر المسيا الفادي. ولما رأينا المجوس الآتين من المشرق يقطعون الآف الأميال ليأتوا باحثين عن المسيح المولود ملك اليهود ليقدموا له هداياهم بحسب النبؤات التي توارثوها وآمنوا بها وصبروا لتتم في موعدها في ملء الزمان. ولما كنا نشاهد سمعان الشيخ يدخل إلى الهيكل بعد صبر لا يهتز وطول انتظار لسنين كثيرة جدا، ليحمل المولود الإلهي مستأذنا منه لكي يطلقه بسلام من سجن جسده، حسب قول النبوة الخاصة به”الآن تطلق عبدك ياسيد حسب قولك بسلام”(لو2: 29).
ولولا إيمان ابراهيم بوعد الرب هو وزوجته سارة ما كان صبر وانتظر لمدة خمسة وعشرين عاما ليتم الوعد الإلهي ويولد اسحق الذي أتى منه السيد المسيح وبه تباركت كل قبائل الأرض”بالإيمان سارة نفسها أيضا أخذت قدرة على إنشاء نسل، وبعد وقت السن ولدت إذ حسبت الذي وعد صادقا”(عب11:11).
ثم ولولا إيماننا بالسيد المسيح الهنا ومخلصنا وفادينا، وثقتنا في معونته لنا وغلبته على الشيطان والموت والعالم، ما كنا نصبر ونحتمل الألآم والاضطهاد والموت الذي يلاحقنا كل يوم”لأننا من أجلك نمات كل النهار، قد حسبنا مثل غنم للذبح”(رو8 :36).
ياأحبائي إن كان صبرنا قليلا وروحنا قصيرة الاحتمال وقلقنا حاضرا يسبق قراراتنا، فلنعلم أننا في أشد الحاجة لاختبار الإيمان”عالمين أن امتحان إيمانكم ينشيء صبرا”(يع1:3). غير أن سلوكنا ونحن صابرين ينبغي أن يكون بلا تذمر داخلي أو خارجي حتى لايتأثر عملنا في حياتنا سلبا”وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء”(يع1:4). ولننظر لأيوب البار بعدما حلت به التجارب والمصائب لم يكف عن مباركة الرب وتعلية اسمه”…وقال عريانا خرجت من بطن أمي وعريانا أعود إلى هناك الرب أعطى الرب أخذ ليكن اسم الرب مبارك، في كل هذا لم يخطيء أيوب ولم يتسب لله جهالة”(أي20:1- 22).
إن إيماننا بالرب ومحبته وصلاحه وحكمته وأبوته لنا، تجعلنا نصبر له وبالتالي لإخوتنا”انتظر الرب واصبر له”(مز37: 7)، “ولكنني أراقب الرب أصبر لإله خلاصي. يسمعني الرب”(مي7:7).
ولنعلم ياأحباء الرب أن الإيمان الذي ينشيء فينا الصبر الجميل، هو الذي يأتي بالثمر المتكاثر لحساب الملكوت في قلوبنا المهيأة لكلمة الله”والذي في الأرض الجيدة هو الذين يسمعون الكلمة ويحفظونها في قلب جيد صالح ويثمرون بالصبر”(لو8: 15).
+ صبر المسيح والقديسين:
حينما نسمع عن صبر المسيح نذكر على الفور مدى محبته الإلهية لنا نحن الخطاة، وكيف من أجل خلاصنا تجسد وتأنس وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها؟!. ثم كيف أنه صبر على الفقر والعوز وأن يصير عبدا بعدما أخلى نفسه من مجد لاهوته؟!. وكيف أيضا احتمل مقاومة المعاندين من اليهود والكتبة والفريسيين الذين كانوا يترصدون له منذ اللحظة الأولى من خدمته؟!، وقبل هذا وذاك كيف صبر على تجارب الشيطان منذ ولادته حيث لم يجد مكانا ليولد فيه في هذا العالم الذي وضع في الشرير، حيث لم يسمح رئيس العالم أن يولد المسيح إلا في مذود للبهائم. ثم كيف هيج إبليس هيرودس الملك على الطفل يسوع مريدا قتله، مما أدى إلى هروبه مع العذراء أمه ويوسف النجار لأرض مصر. إننا نتعجب على صبر المسيح وهو ملك الملوك ورب الأرباب، كيف أنه لم يكن له أين يسند رأسه. اسمع بولس الرسول يتعجب من صبر المسيح على الفقر من أجلنا”فإنكم تعرفون نعمة ربنا يسوع المسيح أنه من أجلكم افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره”(2كو8: 9).
إنني أتعجب بالأكثر جدا على صبر المسيح كيف وهو القدوس وبلا خطية أن يقبل في جسده كل خطايا وتعديات وآثام البشر منذ آدم وإلى نهاية الدهور حيث وضع الآب عليه إثم جميعنا”لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه”(2كو5: 21). وسمعناه في لوعة ألآمه وصبره يصرخ إلى الآب قائلا”ياأبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك”(لو22: 42).
كل هذا وراءه حب إلهي غير محدود وغير مشروط، لذلك لخص كل هذا الصبر المحبوب لدى المسيح في آية ذكرها بولس الرسول في رسالته الثانية إلى تسالونيكي قائلا” والرب يهدي قلوبكم إلى محبة الله وإلى صبر المسيح”(2تس3: 5)، ويكمل في الرسالة إلى العبرانيين”ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي”(عب12: 2).
من هنا نفهم كلمة صبر القديسين. القديسون الذين على الأرض الذين انفعالا بحب المسيح وصبره، أحبوه وصبروا ويصبرون على الضيقات والألآم”ولم يحبوا حياتهم حتى الموت”(رؤ12: 11). وأيضا يقول “وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل، وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضا وحبس. رجموا نشروا جربوا ماتوا قتلا بالسيف طافوا في جلودغنم وجلود معزى معتازين مكروبين مذلين. وهم لم يكن العالم مستحقا لهم.تائهين في براري وجبال ومغاير وشقوق الأرض.”(عب11: 35- 38). ثم يشير سفر الرؤيا إلى أواخر الزمان حيث اضطهاد الوحش وضد المسيح لأولاد الله القديسين .حيث يصبر القديسون بإيمانهم”هنا صبر القديسين. هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع”(رؤ14: 12).
أخيرا يسوغ لنا أن نسمع قول الرب لنا”بصبركم اقتنوا أنفسكم”(لو21: 19)، “والذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص”(مت24: 31)