+ كان سؤال المجوس الأول، حينما أتوا متتبعين نجم المشرق، “أين هو المولود ملك اليهود؟!”(مت2:2)، وكانت الاجابة: أنه ولد في بيت لحم اليهودية…في مذود حقير، داخل حظيرة للحيوانات.
وقد يتبادر للذهن سؤال وهو كيف يكون هذا؟!، ولكن الذي يقترب الى المسيح الملك، يعرف انه لا يملك إلا في الاتضاع، فهو بدأ ملكوته بالاخلاء والتواضع الحقيقي”لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس، واذ وجد في الهيئة كانسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب”(في8،7:2). وفي الواقع أن كثيرين لكثرة كبريائهم، لم يعرفوا المسيح لكثرة اتضاعه. فهو لايستعلن إلا لذوي القلوب المتضعة. ولقد أعلن السيد المسيح هذا في حديثه للآب”…أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض(أي ملك الكل)، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال”(مت25:11). فما أسعد الأطفال (المتواضعين) باستعلان ملكوت السموات لهم، فالملك المسيح المولود في مذود، دائما يدعو بسطاء القلب والودعاء، يدعو الطفال ليملك عليهم، ويملكون معه”دعوا الأولاد يأتون إلي، ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات”(مت14:19)،”ألحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السموات”(مت3:18).
+ ثم في رحلتنا مع مولود المذود الملك، نجده في نهاية خدمته على الأرض، يتجه الى أورشليم ليدخلها كملك، ولكن في وداعة واتضاع عجيبين، فلم يدخلها راكبا فرسا ممسكا بسيف أو رمح، بل راكبا على أتان وجحش ابن أتان. فملكوته لا يرتاح الا في الاتضاع، وهنا ينبهنا زكريا النبي أن المسيا الداخل إلى أورشليم مدينة الملك العظيم، وإن كان يدخلها في اتضاع، إلا أنه الملك العادل والمنتصر على كافة أعدائه”إبتهجي جدا ياابنة صهيون اهتفي يابنت أورشليم، هوذا ملكك يأتي اليك، وهو عادل ومنصور، وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان”(زك9:9)…هنا ياأحبائي يلزم أن نخضع ذواتنا وقلوبنا المتكبرة، تحت قدمي مسيحنا المتضع، فيملك علينا فرحا، وحينئذ تتحقق لنا طلبتنا المتكررة كل يوم”ليأت ملكوتك”(مت10:6).
+ أخيرا نرى مليكنا مولود المذود، يستعلن ملكه على الأرض والسموات وهو معلق على خشبة العار أي الصليب. وهنا يصرخ داود بروح النبوة قائلا” قولوا بين الأمم الرب قد ملك”(مز10:96)، وعلى الصليب خشبة العار كتب بيلاطس البنطي( الأممي)”هذا هو ملك اليهود”(لو38:23)، كتبها بأحرف أشهر لغات العالم في ذلك الزمان. كتبها باليونانية والرومانية والعبرانية. وبهذا أعلن بيلاطس، دون أن يدري، أن السيد المسيح الذي ولد في المذود، ملك على اليهود والأمم معا. ولكنه ملك من خلال الصليب الذي كان عند اليهود عثرة، ولدى الأمم جهالة. إنه سر الملكوت. وهكذا بدون أن يصلب الانسان ذاته كل يوم، منكرا لها من أجل الملك المسيح، فلن يقدر أن يكون تلميذا في مملكة المولود الملك.
+ ألسلام لك يابيت لحم الصغرى ومذودك الذى حوى داخله ملك الملوك ورب الأرباب. اليوم نكرم الاتضاع ونغبط الوداعة، لأن منك ومن مذودك الحقير خرج مدبر البشرية وملكها ليخلصها. فبذلك المولود الإلهي الملك الوديع المتواضع، لم تعودي صغرى فيما بعد، ومن مذودك المزدرى تعلمنا أن الضعف والفقر والاتضاع مع الوداعة، صاروا لنا في المسيح الملك كنز قوة وغنى وكرامة ورفعة أبدية. هنا نفهم سر قول رب المجد الذي يهمه جدا أن ننصت اليه بكياننا الداخلي كله ” تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم”(مت29:11).
+ دعونا ننشد تسبحة الفرح والسلام” المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة”(لو2: 14).
كتابة الأب أنطونيوس زكري في يناير ٢٠١٣