+ إنه سؤال طرحه الروح القدس على فم ميخا النبي في القديم فقال”وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعا مع إلهك”(ميخا8:6). وقد ردده شاول الطرسوسي ليسوع المسيح الذي ظهر له في الطريق إلى دمشق عندما كان شاول يضطهد المسيحيين”يارب ماذا تريد أن أفعل؟”(أع6:9).
+ اصنع الحق:
الحق ياإخوتي هو الشيء الثابت الذي لا يتغير ولا يفنى، فالمعدن النفيس- كالذهب الخالص مثلا- لايتغير لونه ولا يصدأ مهما طال الزمان ومهما كانت الظروف المحيطة به، فنقول عنه أنه ذهب حقيقي. وحينما نتكلم عن الحق فإننا نتكلم عن شخص السيد المسيح نفسه الذي هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد، فقد قال عن نفسه” أنا هو الطريق والحق والحياة”(يو6:14)، كما أن الروح القدس يسمى”روح الحق”، ولكي نصنع الحق في حياتنا يلزمنا بشدة أن نخضع لعمل الروح القدس الذي يأخذ من السيد المسيح ويخبرنا، وهو يرشدنا إلى كل الحق، أي يرشدنا للمسيح الذي يعطينا سلطانا أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوات العدو الشيطان، ولابد لنا أن نعرف أن أهم عمل للشيطان هوالكذب والخداع، من هنا كانت أهمية وصية المسيح لأولاده” ليكن كلامكم نعم نعم لا لا، وما زاد على ذلك فهو من الشرير”(مت37:5). هنا يتضح لنا أن الحق يظهر حتى في كلامنا، فما نقوله لابد أن نعنيه بلا مواربة أوتزييف وإلا كان هذا انحراف عن الحق، وكل انحراف عن الحق هو كذب وكل كذب هو من الشرير والشرير هو إبليس الذي قال عنه مسيحنا”ذاك كان قتالا للناس من البدء ولم يثبت في الحق لأن ليس فيه حق، متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب”(يو44:8). يا أحبائي هل لنا أن نتقي الله في كلامنا فلا نتكلم إلا بالصدق مهما كلفنا؟! إن هذا أول محك في حياتنا اليوميه لنعرف هل نحن نصنع الحق أم لا؟!
ثم فلنعط كل شيء حقه، فالله يأخذ حقه في حياتنا من جهة الوقت والصحة والمال والعبادة ويكون الكل من القلب لأنه يقول”ياابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي”(أم26:23)، وأيضا الآخرين يأخذون حقهم في الحب والاحترام والمساعدة مع المشاركة بقدر ما قد أعطي لكل واحد من إمكانيات ومواهب، ففرحا مع الفرحين وبكاء مع الباكين. وأيضا عائلتي تأخذ حقها ابتداء بشريك الحياة والأولاد، ثم بقية الأهل حسبما يكون لكل واحد احتياج، كذلك عملي وشغلي بأخذ ما يحتاجه من وقت وجهد بحيث لا يطغى على كل شيء في حياتي. وبالإجمال، فروحي ونفسي وجسدي لهم حقوق يجب أن توفى باتزان لكي يكون كل شيء متوازنا مرتبا منتظما في المسيح أي في الحق. وبالحق.
+ أحبب الرحمة:
لقد رأينا رحمة إلهنا من خلال شخص ربنا يسوع المسيح منذ ولادته مرورا بحياته على الأرض، وتجلت عظمة رحمته علي الصليب وموته ودفنه ثم قيامته وصعوده، ثم إرسال روحه القدوس المعزي ليمكث معنا إلي الأبد. لقد أحببنا الرحمة لما رأينا فادينا الرحيم يجول يصنع خيرا ومازال يعمل حتي الآن مع أبيه الصالح والروح القدس، ولما تسآءلنا كيف نترجم محبتنا للرحمة، أجابنا ربنا بمثل السامري الصالح وأظهر لنا كيف أن الرحمة تصنع لجميع المحتاجين اليها دون تفريق من جهة الجنس أو الديانة أو اللغه أو أي اختلاف مهما كان بل لقد أعطانا أن نتجاوز كل احساس بالبغضة لكي نقدم الرحمة حتى للذين يقدمون لنا عداوة ففي سفر الأمثال نسمع هذا”إن جاع عدوك فأطعمه خبزا وإن عطش فاسقه ماء، فإنك تجمع جمرا على رأسه والرب يجازيك”(أم22،21:25).
والسيد المسيح يعتبر الرحمة المقدمة للمسكين، أنها مقدمة له شخصيا، أتعلمون ياأخوتي، أنه الطريق المختصر جدا للدخول إلى الملكوت، هذا ما أعلمنا به الرب نفسه”ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يامباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريبا فآويتموني، عريانا فكسوتموني، مريضا فزرتموني، محبوسا فأتيتم إلى”(مت34:25 -36). وعندما يتسآءل الأبرار عن متى تم ذلك “فيجيب الملك ويقول لهم، الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء الأصاغر( المحتاجين والمساكين والذين هم في عوز)، فبي فعلتم”(مت40:25).
ولنحذر جميعا لأن الكتاب يعلن لنا هذه الحقيقة أن”من يسد أذنيه عن صراخ المسكين، فهو أيضا يصرخ ولا يستجاب”(أم13:21)، فالأشرار لايعرفون الرحمة وليس لهم قلوب الصديقين”ألصديق يراعي نفس بهيمته، أما مراحم الأشرار فقاسية”(أم10:12)، بل أكثر من هذا يلفت الكتاب المقدس نظرنا حتى لانؤجل عمل العطاء والرحمة فنسمع أنه”لا تقل لصاحبك اذهب وعد فأعطيك غدا وموجود عندك”(أم28:3)، ونلاحظ أن جميع من طلبوا رحمة السيد المسيح لم يتأخر عنهم في الاستجابة بالشفاء والمعجزات، وقد طوب السيد المسيح الرحماء وقال” طوبى للرحماء لأنهم يرحمون”(مت7:5).
+ اتضع مع الهك:
لقد أظهر لنا السيد المسيح هذا القانون الروحي”كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع”(لو11:14)، وحينما دعانا أن نتعلم منه ركز على شيء واحد وقال”تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم”(مت29:11)، وكذلك كشفت لنا السيدة العذراء في تسبحتها العظيمة للرب، عن سر نظره لها ليختارها من دون نساء العالم لتكون أم الله فتقول”لأنه نظر إلى اتضاع أمته، فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني”(لو48:1). ويقول القديس يعقوب الرسول”اتضعوا قدام الرب فيرفعكم”(يع10:4)، وأيضا معلمنا بطرس الرسول يوصينا هكذا”وتسربلوا بالتواضع، لأن الله يقاوم المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة، فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه”(1بط6،5:5). والاتضاع مع الله هو ببساطة شديدة أن يكتشف الانسان أن كل خير أو صلاح فيه أو حوله، هو من الله، وأن الضعف والخطية وعدم الكمال، هو من طبيعة الانسان الساقطة، فأي خير يصنعه الإنسان، فهو من الله، فيشكره كصانع للخيرات ومصدرها، وإن سقط في خطية أو لم يستطع أن يفعل خيرا فانه يتضع أمام الرب في توبة واعتراف ورجوع، مرددا ما تعلمه في الكنيسة أثناء الصوم المقدس مناديا الله:”أخطأت ياربي يسو ع ارحمني، لأن الخطية هي طبعي وانت طبعك الغفران،فليس عبد بلا خطية، ولا سيد بلا غفران”، والسلوك بالاتضاع الحقيقي أمام الله في المخدع أثناء الصلاة، هو الذي يغذي اتضاعنا مع الآخرين دون رياء، وطوبى لمن يتعلم درس الاتضاع الحقيقي من سيده المسيح الذي غسل أقدام تلاميذه كعبد، فارتفع فوق السموات، وأخذ اسما فوق كل اسم، مثل هذا الانسان يكون محبوبا من الله والناس، ويقدر بسهولة أن بنفذ من الباب الضيق المؤدي الى الحياة الأبدية.