+العليقة المشتعلة
حينما رأى موسى النبي العليقة المشتعلة التي لا تحترق، تعجب وقال”أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم، لماذا لا تحترق العليقة؟!”(خر3: 3). لقد شهد موسى النبي عن هذا المنظر أنه منظر عظيم. والسؤال هنا ما هو سر هذه العظمة؟! لعله فس سر التجسد، حينما حلت نار اللاهوت في أحشاء القديسة الطاهرة مريم ولم تحترق لآن قوة العلي ظللتها، وتحقق من خلالها قول الكتاب”عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد”(1تي3: 16)؟! ولكني اليوم أدعوك قارئي العزيز أن نتشارك جميعا كمؤمنين مسيحيين حقيقيين، في أن نكون تلك العليقة المشتعلة.
ياأحباء الرب، تعلمون جميعا أن الروح القدس الذي حل على التلاميذ المجتمعين في علية صهيون، استقبلوه “كألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم”(أع2: 3). هنا يتضح لنا أن نار الروح القدس لا تضرم في داخل الإنسان إلا إذا استقر وارتاح الروح القدس في هذا الإنسان. فالتلاميذ كانوا في حالة انتظار وشوق وترقب وصلاة ليستقبلوا نار الروح عليهم وفيهم. ونحن جميعا الذين آمنا بالسيد المسيح واعتمدنا به وله وقبلنا مسحة الميرون المقدسة، قد قبلنا الروح الناري ليستقر علينا ويسكن فينا. ولكن… لماذا نحن باردون جدا؟! بل أكاد أقول أننا لنا اسم الأحياء ونحن في برودة الموت. السبب واضح، لأننا نسمح، وبملء إرادتنا، لمياه العالم أن تضغى على أفكارنا وحياتنا وداخلنا وخارجنا، ألم ينبهنا الرسول بولس محذرا”لا تطفئوا الروح”(1تس5: 19)؟!.
دعونا إذن أن نراجع أنفسنا ويبحث كل واحد منا بتدقيق عن الثغرات التي في سفينة حياته ومنها يتسرب ماء العام البارد النتن، والذي تهاونا في تركه بتسرب إلى دواخلنا رويدا رويدا، حتى صرنا في برودة الموت. إنها ساعة لنستيقظ الآن بوقفة رجولية صادقة وتوبة حقيقية غير كاذبة، لنصرخ إلى الرب لينقذنا ويسد بيده القوية كل ثغرات الموت فينا ويجفف بللنا ويعيد النار المشتعلة، نار الحب الإلهي بروحه القد وس في عليقتنا الضعيفة مرة أخرى، فيرى العالم هذا المنظر العظيم فينا، وتنطلق طاقات الحرارة الإلهية من داخلنا، تدثر برودة العالم فنصير بحق نورا للعالم وملحا للأرض.
+ ألكنيسة المشتعلة:
عندما نتكلم عن اشتعال الكنيسة بالروح، فليس أمامنا مثل أروع وأوضح من كنيسة الآباء الرسل. فتعالوا نتتبع آثار مسيرتها التي اقتيدت بالروح.
فأول كل شيء كانت كنيسة صلاة وطلبة لكل المؤمنين ،رجالا ونساء، أي كنيسة عبادة وتسبيح. ثم أنها كنيسة تطلب مجد الله وخلاص كل نفس”هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء، ومريم أم يسوع، ومع إخوته”(أع1: 14). نلاحظ أهمية المواظبة بلا فتور، وأيضا وحدانية الروح وشركة الحب الجامعة التي كانت تكتنفهم جميعا.
كما أن الروح القدس لما حل عليهم امتلأ الجميع منه. لم يستثنى أحد من المجتمعين وهنا نقول أه لوكانت كنائسنا اليوم بروح واحد، يأتي الجميع ليمتلئوا بالرح ويشبعوا فيشبعوا العالم كله ويرى الناس أعمالنا الحسنة وثمار الروح القدس فينا فينجذبوا إلى الرب وينضموا لحظيرة الخراف المخلصين”ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس”(أع2: 1- 4). لقد انضم للرب في عظة قصيرة لبطرس ثلاثة ألاف نفس. بل “كان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون”(أع2: 47).
ثم ماذا أيضا؟!، كانوا يواظبون على تعاليم الرسل. أي السماع والحفظ والتنفيذ لما يقوله الروح القدس على فم الآباء الرسل. لم يكن أحد يقحم نفسه على التعليم ليظهر علمه وذاته، بل كان الجميع بما فيهم الرسل، الكل خاضع لقيادة الروح من خلال تلاميذ الرب.”لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم”(مت10: 20). وماذا عن حالنا الآن في كنائسنا؟!أصبح كل من قرأ كلمتين في الانترنت، يقيم نفسه معلما في الكنيسة بغض النظر عن حياته وقلبه البعيد عن قيادة الروح وتعليم الآباء. لذلك كثرت عظاتنا وكلامنا وتعليمنا وقلت النفوس المخلصة التي يضمها الرب كل يوم إلى الكنيسة. ما أحوجنا اليوم للتوبة والرجوع للخضوع تحت يد الروح القدس الناري روح القضاء والإحراق ليقضي بحقه على انحرافنا عن طريق الحق، ويحرق خطايانا ويغسل قذرها بدم ربنا يسوع المسيح، ويشرق داخلنا بنور ونار طبيعته الإلهية فنكون في كنائسنا نارا مشتعلة تنير وترشد وتقود في طريق الحياة الأبدية.
وأيضا كانوا يواظبون على الشركة. وتعني الأغابي في لقمة المحبة معا. وهنا نتحسر عل ما يحدث بيننا بسبب الموائد والطعام والأكل والشرب في كنائسنا. أين المحبة؟ أين البذل والعطاء؟ أين تقديم الآخر عني؟ أين الاتضاع وعدم الافتخار بما قدمت وجهزت لمن يأكلوا ويشربوا؟ا أين المتكأ الأخير في خدمة الموائد؟ ثم ماذ وماذا وأين وأين…؟!!!!. حينما تخبو نار الروح بالمحبة في القلب، تنتفي “الأغابية” من طعامنا وموائدنا. فلنراجع أنفسنا في أنشطتنا المختلفة في كنائسنا ونتلمس عمل الروح الناري ليلهب قلوبنا حبا، فيكون لنا حقيقة الشركة في كل ما نعمل.
أما عن كسر الخبز، أي سر الإفخاريستيا، فكانت النفوس التي تتناول من جسد الرب ودمه، نفوسا تعيش بالتوبة والاعتراف بخطاياها وتدرك مقدار هذا السر العظيم أنه سر الأسرار”وكان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم”(أع19: 18). ولم يكن هذا مجرد مظهر من الخارج بل كانوا يرجعون عن أعمالهم الشريرة في توبتهم واعترافهم”وكان كثيرون من الذين يستعملون السحر يجمعون الكتب ويحرقونها أمام الجميع. وحسبوا أثمانها فوجدوها خمسين ألفا من الفضة”(إع19:: 19).
إن جدية المؤمنين في الكنيسة الأولى تبكتنا جدا خصوصا في طريقة ممارستهم لسر التناول، أو كسر الخبز. كانوا صادقين في توبتهم بالقول والفعل. ولذلك كان سر التناول يعمل فيهم غفرانا لخطاياهم وحياة أبدية تبدأ فيهم وهم على الأرض لتمتد بهم إلى ما لا نهاية. ليتنا نوقن عظمة هذا السر في حياتنا ونتقدم إليه يتوبة حقية وخضوع كالمل لكلمة الرب لتنير طريقنا وبها يأخذ هذا السر قوته فينا للتغيير من مجد إلى مجد.
ياروح الله الناري أشعل في حياتنا وكنائسنا نارك الإلهية لتحرق شوائبنا وتمحص حياتنا وسلوكنا لنخرج كالذهب المصفى سبعة أضعاف، ونكون في كنائسنا ذلك المنظر العظيم لعليقة تظل مشتعلة تضيء وتعظم الرب مدى الأيام. آمين.