+ ما هو المذود؟!:
المذود هو حاوية للطعام بالنسبة للحيوانات يصنع من الطوب اللبن المخلوط مع التبن الذي هو سيقان القمح المقطعة صغيرا، أو قد يصنع من الخشب، او من الحجارة. والسؤال الآن لماذا اختار الرب أن يولد في مذود؟!.
دعونا نتأمل معا في معنى المذود من خلال هذه المقدمة. فلو كان المذود من الطين المعجون بالتبن، فهذا يلفت نظرنا إلى سر التجسد العظيم. فالإنسان خلق من التراب الذي تقبل من الله نسمة الحياة بنفخة فيه، ونتذكر كيف أن يسوع له المجد تفل على الأرض وصنع من التفل طينا وخلق عيني المولود أعمى. أما التبن فهو الساق الذي يحمل حبة الحنطة. فالمذود الطيني الحامل للكلمة يشير لاتحاد ناسوتنا الطيني بالمسيح حبة الحنطة طفلا مقمطا مضطجعا مولودا في مكان الإطعام ليؤكل ليس من الحيوانات بل من كل من يؤمن به ويعتمد باسمه ويتناوله في سر الإفخاريستيا العجيب. لقد قدم الرب لنا ذاته كحبة حنطة في مذود، تموت لأجلنا ونأكلها لنحيا وتأتي فينا بثمر كثير”الحق الحق أقول لكم إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، وإن ماتت تأتي بثمر كثير”(يو12: 24).
أما إذا كان المذود مصنوعا من الخشب، فإننا به نتذكر تابوت العهد الذي كان من خشب السنط الذي لا يسوس وحوى في داخله كل ما يرمز لابن الله المتجسد. فقسط المن الذهبي الذي يحوي المن الأبيض الذي كان طعمه”كرقاق بعسل”(خر16: 31)، يشير إلى جسد الرب النقي والذي بلا خطية وقد تحدى سيدنا يسوع المسيح العالم كله وسأل” من منكم يبكتني على خطية؟!”(يو8: 46). وأيضا يقول عنه سفر النشيد”حلقه حلو وكله مشتهيات”(نش5: 16). وأما لوحا العهد اللذان كانا في التابوت، والتي كتبت فيهما الوصايا العشر، فهما يشيران لكمة الله مكتوبا في بشريتنا لحما ودما وليس مجرد ألواح حجرية قاسية كقلب اسرائيل الرافض لمخلصه الإلهي “فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما”(عب2: 14). وأخيرا فقد حوى التابوت أيضا عصا هارون الكاهن في إشارة واضحة لكهنوت مولود المذود الإلهي”أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق”(عب7: 21).
ثم الخشب يجذب انتباهنا على الفور إلى خشبة الصليب القاسية التي حملت الرب على الجلجثة، وكأن الطفل الإلهي يسوع تدرب جسده وتعلم الطاعة لأبيه السماوي منذ ولادته على خشونة الخشبة، تمهيدا لتقديم جسده ذبيحة كفارية عن خطايا العالم كله مسمرا على شجرة اللعنة”مع كونه ابنا تعلم الطاعة مما تألم به”(عب5: 8). وهكذا وهو مولود في المذود تجلت لنا طاعته للآب منذ أن كان جنينا ولذلك قبل أن يولد في مذود حقير”وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب”(في2: 8).
وأخيرا فقد يكون مذود الحيوانات مصنوعا من الحجر. ونحن نعلم أن هذا المولود السماوي، ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، هوهو حجر الزاوية الصغير الذي قطع بغير يدين لأنه ولد من العذراء الطاهرة القديسة مريم بغير زرع بشر، وضرب قوات الشر والموت والخطية والشيطان معا، وصار جبلا عظيما جدا ،وملأ كل الأرض وفيه وبه تحققت تفسيرات دانيال لحلم نبوخذ ناصر( دانيال 2). ألم نر كيف اضطرب الملك هيرودس وجميع أورشليم لمولد حجر الزاوية في زاوية بعيدة عن قصور الملوك، في مذود حقير؟!. فعندما جاء المجوس إلى أورشليم سائلين عن هذا المولود الصغير يقول الكتاب”فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه”(مت2: 3). نعم عندما ننظر إلى مذودك يارب ‘ فإن كان من حجر فنراك مولودا ملوكيا إلهيا قديرا واسمك عحيب في السماء والأرض فلقد دعيت “ابن الله” وفي نفس الوقت دعيت”بابن الإنسان” ففيك الله كل الله، وفيك الإنسان كل الإنسان ما خلا الخطية وحدها. فما أعجبك”قال لهم يسوع أما قرأتم قط في الكتب: الحجر الذي رذله البناؤون هو قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا”(مت21: 42). وقد أكد إشعياء النبي في نبوته هذا المعنى وقال”لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبا”(إش9: 6).
+ وقفة عند المذود:
أيها المولود النوراني العجيب، كيف أخفيت مجدك الإلهي بتخلية عجيبة فيها سر الله؟! كيف في تدبيرك لخلاصي ارتضيت أن تولد هكذا في مذود للبهائم مقمطا بخرق الفقر والعوز؟! تآنست بك الحيوانات من حولك وأنا اقترب إلى مذودك مرتجفا من جلالك الأقدس ياكلمة الله الأزلي والذي بك خلق العالمين. إني أتعجب كيف دخل إلى المذود حفنة من الرعاة المتبدين في ثيابهم الرثة يهرعون في خوف وفرح معا، يخبرون أمك العذراء وخطيبها القديس يوسف النجار حارس سر الميلاد، كيف رأوا وسمعوا الخبر السار بميلاد المخلص من جوقة الملائكة المسبحين؟! ولكني تجرأت أن أقترب نحو مذودك لما رأيتك لم تمنع الحيوانات الطيبة تنظر إليك ولا الرعاة المساكين الفقراء يدنون منك، وبين هذا وذاك أرى أمك العذراء القديسة في هدوء وقوة السكون ترنو أليك ياوليدها الملك وتسمع من الرعاة وتفكر بكل هذه الامور مختزنة إياها في قلبها الحاني. وتسآلت منها هل يمكنني أن أنظر إلى طفل المذود؟! فأومأت العذراء نحوي بالموافقة، تم تشجعت أكثر لأسأل وهل يمكنني أن أحمل المولود الإلهي بيدي وأقبله؟! ووجدت أنه لا مانع. فهرعت نحوه وحملته بكل الحب والشوق وقبلته فأحسست بأنه ينفخ من أنفاسه في أنفي بل أنف البشرية التي ماتت في آدم الأول، نسمة الحياة لنحيا به إلى الأبد ولا نموت، فتيقنت أنه هو آدم الإلهي الأخير”هكذا مكتوب أيضا صار آدم الإنسان الأول نفسا حية وآدم الأخير روحا محييا”(1كو15: 45).
يامولود المذود، اليوم أتي إليك راكضا مع كل من يقبلك إليه ويقبل إليك، لنولد بك ولك وتكون فينا ونكون فيك. نحملك في داخلنا، بل تحملنا فيك لتقيمنا معك وتجلسنا معك ليس في المذود فيما بعد بل في السماويات”أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع”(أف2: 6).