+ صوم العين:
يقول الرب في عظته على الجبل:” فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها والقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم”(مت5: 20). هنا ياأحبائي يليق بنا ونحن ندخل في رحلة الصوم الكبير أن نجاهد بمساندة نعمة الله على صوم العين. فعثرة العين هي أن تستحل لنفسها النظر إلى ما لا ينبغي النظر إليه. تنظر لتدخل إلى العقل والقلب شهوة الامتلاك واستعمال ما لا يحل للإنسان أن يأخذه ولو في ضميره المخفى. لذلك فلنحذر في صومنا، من انحرافات العين لتصبح شريرة، أي تستتبيح الحرام لنفسها للنظر والشهوة الرديئة. من هنا نستطيع أن نفهم قول الكتاب”أن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه”(مت5: 28). ولابد أن نفهم معنى قلع العين التي تعثرني، أنه قطع الهوى والرغبة المنحرفة من وراء النظرة الخاطئة والشريرة. لأن العين هي نافذة على الداخل، وعلينا أن نقرر ماذا نسمح به ليختزن داخلنا في القلب، فإما بضاعة الشيطان النجس ليكون داخلنا مخزنا للنجاسة، أو نفتح أعيننا على كل ماهو طاهر وعادل وجليل ومسر وكل ما صيته حسن، فيصبح كنزنا الداخلي سماويا ومقدسا.
+ صوم اللسان:
أما عن صوم اللسان والفم، فلهما آية قالها معلمنا بولس الرسول وهي آية الحفظ على الطريق في مسيرة صومنا المبارك، وهي”لا تخرج كلمة ردية من أفواهكم، بل كل ما كان صالحا للبنيان، حسب الحاجة، كي يعطي نعمة للسامعين”(أف4: 29). فأولا لا ينطق لساننا أي شيء معيب، فاللسان والفم الصائم لا يشتم، فقد قيل عن السيد المسيح”الذي إذ شتم لم يكن يشتم عوضا”(1بط2: 23). كما أن معلمنا بولس الرسول يحذرنا بفم الروح القدس أن”لا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله”(1كو6: 10). لذلك لا يجب أن نأخذ هذا الأمر بخفة فالأمر جد خطير. كذلك ليس مصرح لنا من قبل الرب أن نحلف تحت أي ظروف”أما أنا فأقول لكم: لا تحلفوا البتة”(مت5: 34). وليس لي حاجة أن أعدد أخطاء اللسان والفم من مسك سيرة الناس والنميمه والكذب والكلام الموجع…إلخ. كل هذا نصوم عنه صوما انقطاعيا. ثم يأتي الكلام عن ماهو صالح أي ينفع، ثم للبنيان بمعنى أنه يبني ويشجع ويداوي ويلطف ويهديء ويشجع للعمل الإيجابي في كل مناحي الحياة. ليس هذا فقط بل يكون بحكمة نتكلم وبحكمة نصمت، فنتكلم بقدر حسب الحاجة، ونصمت بقدر أيضا حسب الحاجة فتكون حكمة الروح القدس هي التي تقودنا في حديثنا وسكوتنا، وحينئذ سيكون كلامنا يعطي نعمة من لدن الرب لمن يسمعنا.
+ صوم الأذن:
ليكن لنا صوم الأذن تدريبا لنا في صومنا المبارك، نمنع الأذن عن شوشرة العالم حولنا ويكون لنا فترة خلوة لنفتح أذننا الداخلية فنسمع كلمة الرب لنا حينما نفتح كتابنا المقدس لسماع صوت الرب في الهدوء والسكينة كما سمع إيليا صوت الرب، ليس في ريح وزلزلة ونار النفس وصخب الميديا والعالم من حولنا بل في“صوت منخفض خفيف”(1مل19: 12). ليتنا نختبر هذا في الهدوء”أذناك تسمعان كلمة خلفك قائلة هذه هي الطريق اسلكوا فيها حينما تميلون إلى اليمين وحينما تميلون إلى اليسار”(إش30: 21). ياأخوتي لابد لنا أن نسمع ما نقرأه في الكتاب بأذننا الروحية وبها يتقوم مسيرنا في رحلتنا إلى وطننا السماوي السعيد. والأذن الصائمة عن أهواء العالم وكلام الناس، تستطيع أن تلتقط بسهولة صوت الروح”من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس”(رؤ3: 22). ونتذكر هنا ما قاله المتنيح البابا شنوده الثالث”وكذاك الأذن لقد أخليتها…من حديث الناس حتى أسمعك”(عن قصيدة همسة حب).
+ صوم الأنف:
حاسة الشم فينا ينبغي هي أيضا أن تتدرب على الصوم، فلا نشتهيي بها ما يكسر صومنا أو نذرنا من روائح الطعام الشهية وما لذ وطاب. لقد اشتم عيسو ورأى ما كان يطبخه يعقوب أخوه، فاشتهى وباع بكوريته ونذره بأكلة عدس طغت رائحته ومنظره على كيان عيسو الداخلي فتخلى عن بكوريته، بل عن بركته. فلنحذر لأن بعض الروائح قد تجذبنا إلى الشهوة الرديئة التي تخرجنا خارج طاعة الوصية. ما أجمل أن تكون فينا حاسة الشم الروحية التي بها نشتم رائحة عريس نفوسنا السيد المسيح. اسمع عروس النشيد تقول لعريسها المسيح”لرائحة أدهانك الطيبة اسمك دهن مهراق لذلك أحبتك العذارى”(نش1: 3). وأيضا أذا كرسنا حياتنا الداخلية للرب، فإننا نتنسم دائما رائحته الذكية ومنا نحن أيضا تفوح رائحته لتجذب الآخرين ليشتموا فينا عبيره الإلهي”ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل حين، لأننا رائحة المسيح الذكية لله” (كو2: 14،15).
+ صوم حاسة اللمس:
إن أول ما نسمعه في الكتاب المقدس عن صوم حاسة اللمس هو ما جاء على فم حواء في جنة عدن حينما قالت للحية عن وصية الرب لها ولآدم”من ثمر الجنة نأكل وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا“(تك2: 2،3). وهذا يذكرنا بالآية التي تقول”امتنعوا عن كل شبه شر”(1تس5: 22). إن صوم حاسة اللمس هي أن لا نمس من بعيد أو قريب ما هو نجس”أعتزلوا اعتزلوا من هناك لا تمسوا نجسا”(إش52: 11). وكلمة نجس لا تعني شيئا في ذاته فالله لم يخلق شيئا نجسا، ولكن الشيطان يسمى بالروح النجس، ولذلك كل ماهو مرتبط به يكون نجسا، فحينما يأمرنا الكتاب بأن لا نمس نجسا، أي لا نمس ما هو للشيطان في أفكاره وأعماله وحيله وطرقه االشريرة” الذكي يبصر الشر فيتوارى، والحمقى يعبرون فيعاقبون”(أم22: 3). وعلينا أن نتدرب على لمس ولو هدب الرب فيشفى نزيفنا الروحي ونحيا،فالمرأة نازفة الدم قالت في نفسها:“إن مسست ثوبه شفيت” فكان لها بحسب إيمانها. ومهما كانت نجاستنا الروحية وطول خبرتنا مع الخطية لسنين هذا عددها وإحساسنا بالرفض لأنفسنا ورفض الآخرين لنا، فانعلم أن حبيبنا الرب يسوع لا يستنكف من أن يلمسنا فنبرأ. فقط لنتشجع ونقبل إليه بتوبة ودموع واعتراف قائلين له: نحن تنجسنا ونجسنا آخرين، ألا تأمر بتطهيرنا؟!، فنجده يسرع ألينا ويلمسنا فنطهر، ألم يصنع هذا مع الأبرص في القديم الذي سأله قائلا” ياسيد إن أردت تقدر أن تطهرني، فمد يسوع يده ولمسه قائلا:أريد فاطهر، وللوقت طهر برصه”(مت8: 2،3) . ياأخوة، دعونا في هذا الصوم أن ندخل لعمق صوم الحواس ونقدم ذبيحة حبنا لله فيقبلها بسرور خلال ذبيحة ابنه التي نتحد بها دائما في سر التناول المقدس.