عندما خلق الله آدم من تراب، “نفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية”(تك2: 7). وقد كان الإنسان ذكرا وأنثى على صورة الله وشبهه بحسب محبته وإرادته الخيرة”وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا…فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكرا وأنثى خلقهم” تك1: 26،26 .
هنا يعجز العقل عن تقييم ما كان للإنسان من ثمن يفوق كل الخلائق التي سبقته، فحتى الملائكة لم يكن لها صورة الله وشبهه، بل يقول عنهم الكتاب”ألصانع ملائكته رياحا وخدامه لهيب نار…أليس جميعهم أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص؟!”(عب1: 7،14). لذلك لا نتعجب أن يسلط الله الإنسان على الخلاتق التي حوله” فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض” تك1: 26
ولقد كان الاتصال الفكري والروحي والكياني بين الله والإنسان في حالة تناغم لا يشوبه أي نشاز”وقال الإله ليس جيدا أن يكون آدم وحده فأصنع معينا نظيره، وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها. وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها…وأما لنفسه فلم يجد معينا نظيره”(تك2: 19 ،20). نجد في هذا الموقف مدى التوافق الفكري والشعور بالاحتياج الذي ملأه الله لآدم بمجرد إحساس آدم به. هذا قليل جدا مما كشفه لنا الكتاب عن المجد الذي كان فيه الإنسان مع الله قبل السقوط، فياله من ثمن وقيمة للإنسان في نظر كل الخلائق، لا يقدر بحسابات السمائيين والأرضيين…ولكن!!
+ صرنا بلا ثمن:
لما تعدى الإنسان الله وسقط من الحياة بواسطة الخطية، دفع أجرة الخطية أو قل ثمن الخطية وهو الموت”لأن أجرة الخطية هي موت”(رو6: 23). وصار كل إنسان مثمن تحت الموت”من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع”(رو5: 12). وبهذا صار الموت كثمن لنا بعد الخطية، هو طريق الأرض كلها.
ولقد بحث الأنبياء والرسل والقديسون عبر الأجيال ما قبل السيد المسيح فما وجدوا إنسانا واحدا له ثمن أكثر من الموت”ليس بار ولا واحد. ليس من يفهم. ليس من يطلب الله. ألجميع زاغوا وفسدوا معا. ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد”(رو3: 10–12).
يقول الرب في سفر زكريا النبي عن الإنسان قبل مجيء المخلص”قبل هذه الأيام(أيام الخلاص)لم تكن للإنسان أجرة(أى لم يكن له ثمن)”زك8: 10). نعم، فالموت عدم وأفضل ما يعبر به عن الموت أنه أللا قيمة.
كان هذا هو الإنسان البائس بعد السقوط. لم يكن له ثمن ولا قيمة، لأن الموت كان يعمل فيه حتى يقهره تحت التراب الذي أخذ منه ليبقى تحت سلطان الموت إلى الأبد. وهذه القاعدة تنطلي على الجميع مهما بلغ غناهم أو رئاستهم وملكهم الكاذب على الأرض. لذلك ينبهنا الكتاب ألا نتكل على غير يقينية الغنى والأغنياء، ولا على الرؤساء والذين يظنون أنهم ذوي سلطان يدوم”لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده. تخرج روحه فيعود إلى ترابه. في ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره”(مز146: 3 ،4).
+ أشترينا بثمن:
ألله المملوء بأحشاء المحبة التي لا تنتهي، والمراحم ألأزلية التي لا تحصى، غلب من تحننه ومحبته ودبر خلاصنا بنفسه. وكان الثمن باهظا جدا جدا. أنظروا كيف أنه”هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”(يو3: 16). لقد أخذ الابن الوحيد جسدنا وإنسانيتنا الكاملة واتحد بها إتحادا لا ينفصل إلى الأبد، وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطيئة وحدها. وبهذا صار لنا في المسيح كل ما له من مجد عند الآب”كل ما هو لي فهو لك. وما هو لك فهو لي وأنا ممجد فيهم… وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدا كما أننا واحد”(يو17:10،22).
أترى ياقارئي العزيز أي ثمن صار لنا في المسيح يسوع؟!، بل قل أي مجد أصبح لنا في شخصه المبارك؟! ولكن لكي ينقل الرب لنا هذا المجد كان لابد له أن يدفع ثمن خلاصنا من أسرالموت الذي صار علينا كأجرة للخطية… تعالوا لنرى معا تكلفة خلاصنا الذي قدمه لنا الله في إبنه الحبيب.
يلخص بولس الرسول عظم وفداحة الثمن الذي أشترينا به من قبل المسيح له المجد فيقول عنه” ألذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه آخذا صورة عبد صائرا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب”(في2: 6- 9). وعن ما فعله الآب في إبنه لأجلنا يقول”لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه”(2كو5: 21). ثم يتكلم عن المسيح مصدر البركات ويقول”المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة”(غل3: 13).
أما إشعياء النبي فقد أبدع الروح ناطقا على شفتيه أنشودة الحب الذي به أحبنا الله حتى بذل ابنه لأجلنا ليشترينا له من موت الخطية والعبودية إلى حرية مجد أولاد الله0 وأدعوكم ياأحباء الرب لتقرأوا معي بتعمق ما جاء في الإصحاح الثاث والخمسين من نبوء إشعياء.
+ ماذا علينا؟!:
إن كان هذا ما دفعه الميسح عنا ليفدينا من ضياعنا الأبدي ويسترد لنا ثمنا غاليا جدا جدا لا يمكن استقصاءه، حيث صرنا في قيمة الأبناء لله بالتبني، وصار لنا الميراث لله مع المسيح لكل الأمجاد السماوية لأن المسيح بعدما حمل جميع خطايا البشر على مدى الأجيال، مات بجسدنا فدفع أجرة الخطية كاملة وهي الموت. ولكنه في ذاته لم يعمل خطية وهو أبن الله، لذلك فقد قام من الأموات بجسدنا ناقضا أوجاع الموت ليجعلنا فيه أبناء مبررين ومقدسين لله”إذ نحن نحسب هذا أنه إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذا ماتوا. وهو مات لأجل الجميع لكي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام… إذا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدا”(2كو5: 14–18).
إذا فنحن الأن وبعدما قبلنا ما عمله المسيح من أجلنا بإيماننا به وقبولنا له وموتنا معه وقيامتنا فيه بالمعمودية وثبوتنا في شخصه بتناولنا من جسده ودمه الأقدسين، فليس أمامنا بديل للحياة الأبدية إلا أن نكون للرب بالعمل والحق، أن نعيش بنوتنا الحقيقية لله في السر والعلن، شاهدين له بالقول والسلوك المسيحي”فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات”(مت5: 16).
“لأنكم قد اشتريتم بثمن فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله”(1كو6: 20).