التأديب للبنين:
في سفر المزامير نقرأ هذه الآية”تأديبا أدبني الرب وإلى الموت لم يسلمني”(مز188: 18)، وكلمة التأديب تعني التعليم والتوجيه والتربية والتقويم للنمو في الطريق الصحيح. وليس التأديب هو العقاب خصوصا في طريق التعامل مع الله كأب لنا، فالقديس بولس يقول”ولكن إذ قد حكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع الناس”(1كو11: 32). وأيضا يذكرهذا”ياأبني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبخك لآن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله، إن ن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين فأي ابن لا يؤدبه أبوه؟ ولكن إن كنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه فأنتم نغول(أبناء غير شرعيين) لا بنون”(عب12: 4- 8).
إننا ياأحباء الرب في شديد الحاجة وخصوصا هذه الأيام أن نخضع لتأديبات الرب، لأننا انفلتنا من بنوتنا له. فرغم إيماننا بالرب وقبولنا روحه القدوس في المعمودية والميرون ولبسنا للمسيح، إلا أننا ننسلخ منه تدريجيا. وفي هذا نأخذ يعقوب كمثل لنرى كيف أحب الرب يعقوب منذ تكوينه في البطن”بل رفقة أيضا وهي حبلى من واحد وهو اسحاق أبونا لأنه وهما لم يولدا بعد(عيسو ويعقوب)…قيل لها أن الكبير يستعبد للصغير كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو”(رو9: 10- 13)، “لما كان اسرائيل(يعقوب) غلاما أحببته ومن مصر دعوت ابني”(هو11: 1). وهكذا كل من آمن بالرب وقبله واعتمد باسم الثاوث القدوس، يخرج من بطن الكنيسة(جرن المعمودية) محبوبا ومختارا سامعا بأذنه الروحية الجديدة” هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت”(مت 3: 17).
ولكن…زاغ يعقوب عن بنوته لله وأبوة الله له فتعقب اخاه عيسو وبمكر أبتاع منه بكوريته واحتال على أبيه اسحق ليسرق البركة منه بالكذب والغش معتمدا على ذكائه بل على دهائه. ولكن الله الحنان الأب المؤدب لم يتركه لسقطاته ليهلك بها بل بدأ بتأديباته ليعقوب ليرده إليه ويكون أبا لأسباط اسرائيل الأثني عشر، بل صار واحد من الآباء البطاركة العظام كما نقول دائما في كنيستنا عن المنتقلين المؤمنين الأتقياء، انهم في في أحضان آبائنا القديسين ابراهيم واسحق ويعقوب.
لقد كلفه هذا البعد عن الله مطاردة أخيه عيسو لمدة عشرين سنة لأنه كان يريد قتله. وكلفه هذا أربع عشرة سنة في خدمة لآبان خاله الذي خدعه وأعطاه ليئة بدلا من راحيل، وغير أجرته عشر مرات، اسمعه يقول لخاله لآبان حينما سعى خلفه يريد اذيته بالشر، وذلك بعدما هرب منه يعقوب وكل من له وما له :”الآن لي عشرون سنة في بيتك خدمتك أربع عشرة سنة بابنتيك وست سنين بغنمك وقد غيرت أجرتي عشر مرات”(تك31: 41). وهنا نتوقف عند عمل الله وتدخله في وقت التأديب حتى لا يسلمنا للموت، اسمع كلام لآبان ليعقوب الهارب:”لماذا هربت خفية وخدعتني ولم تخبرني..الآن بغباوة فعلت! في قدرة يدي أن، أصنع بكم شرا، ولكن إله أبيكم كلمني البارحة قائلا: احترز من أن تكلم يعقوب بخير أو شر”(تك31: 27- 29). فما أحن الله على أولاده، حقا تأديبا يؤدبنا الرب وإلى الموت لا يسلمنا.
وهكذا نرى يعقوب مثلا واقعيا لحالنا في هذه الأيام، فرغم أننا أبناء الله المختارين والمحبوبين، إلا أننا مازلنا نراوغ ونزوغ عن الطريق التي سلمنا الله في ابنه الحبيب يسوع المسيح، نزوغ وراء آلهة غريبة ، المال، الشهوات، الذات والتسلط، الحياة بالعيان وليس بالإيمان، ومحبة العالم دون محبة الله. أليس هذا ما فعله أيضا أبناء يعقوب(بنو اسؤائيل) في البرية بعدما أخرجهم الرب من عبودية فرعون بيد قوية وذراع رفيعة؟! وهذاأطال فترة تأديبهم وجعل التأديب يشتد ويتنوع.
ولا بد أن نعلم أننا مسؤلون عن درجة التأديب وطول أو قصر مدته، فبنو اسرائيل لما خرجوا من مصر بواسطة موسى، كان يمكنهم الوصول إلى أرض الميعاد في خلال شهر من الزمان، ولكن لسبب عدم الإيمان والتمردعلى الله وموسى وتجربة الرب في البرية، والجري وراء شهوة البطن وعبادتهم لعجل الذهب وسقوطهم في نجاسة عبادة الأوثان، هذا كله وغيره من البعد عن وصية الله، جعل الشعب في تيه البرية لمدة أربعين سنة. لذلك يحذرنا بولس الرسول حتى لا يطول علينا التأديب ويشتد لتسويفنا العمر باطلا:”اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم، كما في الإسخاط، يوم التجربة في القفر”(عب3: 7، 8). إنها دعوة لي ولكل من يقرأ ويسمع لنتوب الآن وليس غدا.
عزيزي القاريء، مسيحنا الإله الحي والفادي، هو هو اليوم كما الأمس وإلى الأبد، حبه لنا لا حدود له لأننا صرنا أولاده، ولذلك أتى لا ليدين العالم بل ليخلص العالم. وكل من يقبله سيجد خلاصه معدا له في شخصه المخلص، ولكن إن عوجنا المستقيم وحدنا عن الطريق المؤدي للحياة الأبدية، فهو كأب لنا وسيد ومعلم، لابد له أن يؤدبنا. إن تبنا ورجعنا نجد أحضانه الأبوية وغفرانه ومجد غناه الذي يمنحه لنا، وإن صلبنا رقابنا فالتأديب يزداد ومحاصرة الرب لنا تضيق علينا حتى نفيق ونرجع لأنفسنا لنعود إلى سواء الطريق. هذا ما حدث للابن الضال الذي اختار ضلاله، فتركه أبوه لضائقة العوز والجوع ليرجع إلى نفسه، وعندما رجع وجد الأحضان الأبوية مفتوحة له، لأنه ابن وعاد إليه مجد وغنى أبيه بالكامل.
وعودة مرة أخرى ليعقوب اسرائيل ونسله، فرغم أن الرب جاء اليهم كخاصته، إلا أنهم رفضوه ولم يقبلوه بل قتلوه على الصليب، ومع رحلة التأديب فقد رفض اسرائيل إلى الآن، حتى يتم ملء الأمم بدخولهم للأيمان بالمسيح المخلص، ثم يكتمل التأديب وليس الموت، لأن الرب لا يشاء موت الخاطيء مثلما يرجع ويحيا، وهذا السر يكشفه لنا بولس الرسول بالروح هكذ،ا فيقول مخاطبا الأمم الذين آمنوا بالسيد المسيح:” فإني لست أريد أيها الأخوة أن تجهلوا هذا السر، لئلا تكونوا عند أنفسكم حكماء، أن القساوة قد حصلت جزئيا لأسرائيل إلى أن يدخل ملء الأمم، وهكذا سيخلص جميع اسرائيل”(رو11: 25، 26).
ياأحباء الرب لنا في يعقوب اسرائيل المثل لنعرف أننا في يد الرب الحانية نؤدب للخلاص وليس للموت، فحقا يتم كلام الكتاب: تأديبا أدبني الرب وإلى الموت لم يسلمني.