الصوم المقدس

,
الصوم المقدس


+ الصوم في الكنيسة، هو قوة للروح والنفس، وخفة لثقل الجسد حتي يستطيع أن يتناغم مع السمائيات، فلا يجذب الانسان الى الأرض. وهو أيضا نتيجة ملازمة للامتلاء من الروح. وهكذا أخذ الصوم قوته ومعناه الحقيقي عندما صام مخلصنا أربعين يوما وأربعين ليلة مجربا من إبليس

” أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئا من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في البرية أربعين يوما يجرب من ابليس، ولم يأكل شيئا في تلك الأيام ولما تمت جاع أخيرا” ( لو 2،1:4). وانتصر الرب لنا لكي نغلب العالم والجسد والشيطان” فللرب حرب مع عماليق من دور الى دور” ( خر16:17 ).

+ والصوم الحقيقي هو طاعة للوصية ” وأوصى الرب الاله آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل أكلا وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتا تموت” ( تك17،16:2). لذلك بدأ السيد المسيح خدمته بالصوم ليعطينا قوة الطاعة لكلمة الله، فهو نفسه الكلمة، وهو الخبز الحي الذي من يأكل منه يحيا الى الأبد” ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (مت4:4 ). من أجل هذا يليق بنا في وقت أصوامنا، أن نكثر من قراءة الكتاب المقدس بوعي وفهم وروح الصلاة، وأيضا أن نكثر التناول من جسد الرب ودمه غفرانا لخطايانا وحياة أبدية لنا. ولنعلم ياأحباء الرب أن البطن التي همها الأول أن تمتلئ بالطعام والشراب، صعب على صاحبها الخضوع للوصية، وليس بسهولة أن تخرج من تلك البطن أنهار ماء الحياة، أو أن تلد البنين الروحيين للرب.

+ لقد سلك أولاد الله القديسون طريق الصوم منذ البدء إظهارا لخضوعهم للرب ولوصاياه، واجتهدوا” ليقدموا أجسادهم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله” ( رو1:12 ).

+ فهوذا موسى النبي وقد صام أربعين يوما وأربعين ليلة في حضرة الرب، أعطاه الرب في آخرها الوصايا العشر المكتوبة بأصبع الله” وكان ( موسى ) هناك عند الرب أربعين نهارا وأربعين ليلا لم يأكل خبزا ولم يشرب ماء، فكتب على اللوحين كلمات العهد ، الكلمات العشر”( خر 28:34 ). وأيضا بالصوم تذلل أمام الله يشفع من أجل شعبه ليصفح الرب عنهم ويرجع عن حمو غضبه” ثم سقطت أمام الرب كالأول أربعين نهارا وأربعين ليلة لا آكل خبزا ولا أشرب ماء من أجل خطاياكم التي أخطأتم بها بعملكم الشر أمام الرب لاغاظته، لأني فزعت من الغضب والغيظ الذي سخطه الرب عليكم ليبيدكم، فسمع لي الرب تلك المرة أيضا” ( تث19،18:9).
+ وحنة أم صموئيل النبي، عرفت الصوم والتذلل أمام الله، فولدت- بعد أن كانت عاقرا – واحدا من أعاظم الأنبياء في اسرائيل وهو صموئيل النبي” … فبكت ولم تأكل … فصلت إلى الرب وبكت بكاء ونذرت نذرا” ( 1صم10،7:1 ).
+ أما داود النبي فيقول:” أذللت بالصوم نفسي” ( مز 13:35 )، وأيضا:” أبكيت بصوم نفسي ” ( مز 10:69 ).
+ كذلك نرى يهوشافاط الملك في ضيقه، أنه نادى بصوم وصلى إلى الرب فأراحه” فخاف يهوشافاط وجعل وجهه ليطلب الرب ونادى بصوم في كل يهوذا…واستراحت مملكة يهوشافاط وأراحه الهه من كل جهة” ( 2أي 30،3:20 ).
+ وكان الصوم أيضا منهجا لعزرا الكاهن والكاتب الماهر في شريعة الله ليسهل الرب طريقه لتزيين بيت الرب إلهه” فصمنا وطلبنا ذلك فاستجاب لنا”(عز23:8). وأيضا صام نحميا النشيط ليبني أسوار أورشليم المنهدمة” فلما سمعت هذا الكلام جلست وبكيت ونحت أياما، وصمت وصليت أمام اله السماء” ( نح 4:1 )، فأنجحه الرب وبنى ما كان متهدما.
+ ثم ما أعظم ما صنعته أستير الملكة حينما وجدت شعبها معرضا للهلاك، فنادت بصوم كما صامت هي أيضا مع جواريها لتدخل الى الملك أحشويرش في غير موعد مسبق، لتطلب من أجل خلاص أهلها”فقالت أستير أن يجاوب مردخاي، اذهب اجمع جميع اليهود الموجدين في شوشن وصوموا من جهتي ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلا ونهارا، وأنا وجواري نصوم كذلك وهكذا أدخل الى الملك خلاف السنة” (أس 16،15:4).
+ ودانيال مع الفتية الثلاثة يعطينا مثلا رائعا في الالتزام بالحياة مع الله رغم كل الظروف المحيطة، فقد كان معهم مسبيا في بابل ولكنه لم يخن عهد الحب مع إلهه” أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس” ( دا8:1 ). وسأل دانيال أن يعطوهم القطاني ( البقول) ليأكلوا وماء ليشربوا ويجربوهم لمدة عشرة أيام، وقد أعطاهم الرب نعمة في أعين المسؤلين عنهم، فكان لهم ما سألوه، واذا” بمناظرهم أحسن وأسمن لحما من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك” (دا15:1). وبالصوم والصلاة والتذلل أمام الله، أظهر الرب لدانيال في رِؤى الليل كثيرا من الأحداث والنبوات الخاصة بالسيد المسيح وأيضا ما سيتم في المستقبل من خراب الهيكل وخلافه. وكان دانيال يعيش حباة الصوم والنسك لكي ينعم عليه الرب بالفهم وتفسير الرؤى” فوجهت وجهي إلى الله السيد طالبا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد، وصليت إلى الرب الهي واعترفت وقلت…” (دا 4،3:9)، ” وأنا متكلم بعد بالصلاة اذا بالرجل جبرائيل الذي رأيته في الرؤيا … فهمني وتكلم معي وقال يادانيال إني خرجت الآن لأعلمك الفهم” (دا22،21:9).

+ ولقد قدمت لنا الكنيسة نموذج أهل نينوى قبل بدء الصوم الكبير بأيام حتى نصوم بالروح والقلب المنكسر أمام الله لتأتي أزمنة الفرج” فآمن أهل نبنوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم إلى صغيرهم… فلما رأى الله أعمالهم أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه” ( يون3: 5،10).

+ إننا نلاحظ التزام الكنيسة الأولى بالصوم سواء على المستوي الفردي أو الجماعي، فنجد بولس الرسول يدرب نفسه بالصوم فيقول:” تدربت أن أشبع وأن أجوع وأن أستفضل وأن أنقص”(في 12:4). وأيضا يقول في رسالته الثانية الى كورنثوس” … في جوع وعطش، في أصوام مرارا كثيرة”(2كو27:11). وليس هذا بغريب على القديس بولس الرسول، فقد صام مباشرة بعد أن ظهر له السيد المسيح وهو بعد شاول الطرسوسي حتى أتاه حنانيا تلميذ الرب وفتح عينيه التي عميت من قوة بهاء النور الالهي الذي أضاء حوله” … وكان (شاول) ثلاثة أيام لايبصر فلم يأكل ولم يشرب”(أع9:9). كذلك بطرس الرسول- قبل أن يرسله الله من خلال رؤية إلى كرنيليوس الأممي- كان في صوم وصلاة”… صعد بطرس على السطح ليصلي نحو الساعة السادسة فجاع كثيرا واشتهى أن يأكل”(أع10،9:10)، وكان كرنيليوس أيضا صائما” فقال كرنيليوس منذ أربعة أيام الى هذه الساعة كنت صائما وفي الساعة التاسعة كنت أصلي في بيتي وإذا رجل قد وقف أمامي بلباس لامع، وقال ياكرنيليوس سمعت صلاتك وذكرت صدقاتك أمام الله”(أع31،30:10).

+ أما على المستوى الجماعي فقد كان الصوم والصلاة هما السمة العامة في خدمة وكرازة الأباء الرسل” وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه، فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما(أع3،2:13). والسيد المسيح نفسه كان قد أوصى تلاميذه بالصوم والصلاة في مواجهتهم مع الأرواح النجسة” فقال لهم هذا الجنس لايمكن أن يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم”(مر29:9). وهكذا أعطانا السيد المسح المنهج الروحي لمقاومة عدو الخير في حياتنا وأفكارنا وبيوتنا.

+ وليس كل صوم هو صوم مقبول امام الله، فالصوم الخالي من المحبة والسلام، صوم النفس الممتلئة بغضة وحسد وغيرة مرة، ليس بصوم مقبول”ها إنكم للخصومة والنزاع تصومون ولتضربوا بلكمة الشر، لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم في العلاء”(أش 4:58). كذلك يرفض صوم النفس التي تطلب المديح والكرامة، سواء كان هذا سرا أم علنا أمام الناس” ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائيين فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين، ألحق أقول لكم أنهم استوفوا أجرهم”(مت16:6). ولا نصوم لكي نفتخر أمام الله أو الناس أو أنقسنا مثل الفريسي الذي رفض الله صومه مع كل عبادته” أما الفريسي فوقف ليصلي هكذا: أللهم أنا أشكرك اني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشار، أصوم مرتين في الاسبوع وأعشر كل ما أقتنيه”(لو12،11:18). بل نصوم في الخفاء بعيدا عن أعين الناس وعن ذواتنا التي تريد أن تنتفخ وتكبر وتتفاخر وتتأله حتى ولو بالأمور الروحية” وأما أنت فمتى صمت فادهن رأسك واغسل وجهك لكي لاتظهر للناس صائما بل لأبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي في الخفاء يجازيك علانية”(مت 18،17:6).

+ وليكن صومنا أيضا مصحوبا بالصلاة وأعمال المحبة نقدمها للسيد المسيح نفسه في شخص كل محتاج أيا كان مع انسحاق وتوية حقيقية، وهذا ما نسمعه من الله على فم يوئيل النبي” ولكن الآن يقول الرب: أرجعوا إلى بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح، ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر”(يؤ 2: 12،13). وأيضا يقول الرب على فم إشعياء النبي:”أليس هذا صوما أختاره، حل قيود الشر، فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحرارا وقطع كل نير، أليس أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل المساكين التائهين الى بيتك، اذا رأيت عريانا أن تكسوه وأن لاتتغاضى عن لحمك”(إش7،6:58). وبهذا يكون صومنا ذبيحة حب نقدمها للسيد المسيح الذي أحبنا وأسلم نفسه عنا، فنكون مستعدين لشركة الآمه متشبهين بموته فرحين بمجد قيامته.

Skills

Posted on

March 24, 2014

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This