المشرق من العلاء

,
المشرق من العلاء

الشرق والشروق:

  في مناسبة أجواء الميلاد المجيد التي نعيشها في هذه الأيام، بدءا من صوم الميلاد والتسبيحات الكيهكية وهذا العرس الإلهي، يلفت انتباهنا هذه الآية التي جاءت على فم زكريا الكاهن بالروح القدس الذي قال”لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم، بأحشاء رحمة الهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء”(لو1: 77 ،78).

  وكلمة المشرق تجعلنا نوجه أعيننا ناحية المشرق ونفتح آذاننا لهذه الكلمة في الوحي الإلهي. إننا نجد أن الله وضع “الكاروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة”(تك3: 24). وشجرة الحياة تشير لشخص الرب يسوع ابن الله  المتجسد لخلاص جنس البشر. أما في سفر المزامير فبروح النبوة يشير إلى افتقاد الرب للبشرية بتجسد السيد المسيح الذي هو أبرع جمالا من بني البشر”من صهيون كمال الجمال الله أشرق”(مز50: 2).

  وكنيستنا القبطية الأرثوذكسية تعلمنا أننا نصلي ناظرين نحو الشرق. كما أن مذابح الكنائس في كل مكان تكون ناحية الشرق، ليس لأن الله غير موجود إلا في الشرق، ولكن بحسب الكتاب، فإننا نرتقب مجيئه من الشرق كما أشرق نجمه عند ميلاده في المشرق.”إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له”(مت2: 1، 2). ولعل هذا تحقيقا لنبوة سفر المزامير القائلة:”ياجالسا على الكروبيم أشرق”(مز80: 1).

  وإن كنا ننظر إلى الشرق، فإننا نتوقع إشراق نور الرب علينا بخلاصه”الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما، الجالسون في أرض ظلال الموت أشرق عليهم نور”(إش9: 2).وفي القداس الإلهي يدعو الشماس الشعب والأكليروس للنظر ناحية المشرق نحو المذبح حيث جسد ودم عمانوئيل الهنا موضوعين عليه. ففي القداس الإلهي تتحقق كلمة الرب لنا”ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر”(مت28: 20).

  أيها الرب العظيم نحن لا نكل من النظر بقلوبنا قبل عيوننا، ناحية المشرق لنستنير بنورك، ونرنو نحوك ككنيسة وكعروس المسيح المنتظرة عريسها استجابة لدعوة إشعياء النبي”قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك”(إش60: 1). ومهما كانت الظلمة التي تحاول أن تكتنف الكنيسة وأولاد الله في ظل هذا العالم الذي وضع في الشرير، لكن نور الرب يبدد كل ظلمة”لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم.أما عليك فيشرق الرب ومجده عليك يرى”(إش60:2).

  لقد كانت جماعة الأتقياء على مدى العهد القديم، تتهافت على رؤية المسيا خلال النبؤات. فحنة بنت فنوئيل النبية، منحها الرب أن ترى بعينيها مع سمعان الشيخ وجماعة من الأتقياء المنتظرين فداء اسرائيل”…وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم”(لو2: 38)…”وكان رجل في أورشليم اسمه سمعان وهذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر تعزية اسرائيل والروح القدس كلن عليه”(لو2: 25). هنا تأتينا آية ملاخي النبي لتحقق لكل من يتقي الرب على مدى الأجيال، أنوارا وشفاء من المشرق، والتي تغرد في مسامعنا قائلة”ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها”(مل4: 2).

  أحبائي أيا كانت ظلمتنا بسبب خطايانا أو الظلمة التي يلفنا بها الشيطان أو العالم. مهما كانت خبرتنا مع الشر والموت نتيجة الخطية، ففي ميلاد الرب يسوع – كنور للعالم – المخرج لنا للتوبة والرجوع للحياة وليس للموت”لأن الله الذي قال أن يشرق نور من ظلمة هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح”(2كو4: 6).

من العلاء:  

  العلاء هو وضع ومكانة، عرفنا من خلال الكتاب المقدس أن هذا يليق بالله الخالق الذي تفوق صفاته وكينونته الكلام، كل الكلام. ولضيق أفق اللغة مهما كانت وتنوعت بلاغتها تصير قاصرة جدا جدا عن الوصول إلى حقيقة سمو الله وعلوه. ولكن الكتاب المقدس بوحي الروح القدس، استطاع باللغة الضعيفة التي للإنسان، أن يفحص لنا حتى أعماق الله”لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله”(1كو2: 10).

  من هذ المنطلق نسمع صوت الروح ينطق على لسان إشعياء النبي قائلا”إرفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه. من الذي يخرج بعدد جندها، يدعو كلها بأسماء. لكثرة القوة وكونه شديد القدرة لا يفقد أحد”(إش40: 26). إن إلهنا العلي لم ينظر إلينا من أعاليه بترفع، بل بحب عجيب وإخلاء إلهي  نظر إلى ذلنا وموتنا، ليتجسد ويصير في وسطنا، بل يحمل خطايانا ويموت صلبا من أجل خلاصنا”أيضا الآن هوذا في السموات شهيدي وشاهدي في الأعالي”(أي16: 19).

  ولابد لنا أن نعلم أن الرب دبر في علاه تدبير الخلاص بدم الابن الوحيد يسوع المسيح من قبل تأسيس العالم. إنه رئيس السلام ومصدره ومدبره لنا من الأعالي”ألسلطان والهيبة عنده هو صانع السلام في أعاليه”(أي25: 2).

  وإن كان الله في الأعالي حتى وهو متجسد على الأرض،فهو في الأعالي وماليء الكل. وفي بشارة الملائكة للرعاة أعلنوا هذا المعنى السماوي بوضوح”ألمجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة”(لو2: 14).

  وفي العهد القديم، عندما دعا الله موسى ليقف أمام فرعون باسم الرب ليطلق شعب بني اسرائيل من العبودية ليعبد الرب في البرية، تعالوا لنري هذا الإله العجيب الذي هو في العلاء وفي نفس الوقت هو مع أولاده الذين يعيشون في الأرض في معاناتهم أيا كانت”فقال الرب أني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم أني علمت أوجاعهم فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم من تلك الأرض”(خر3: 7 ،8).

   وحينما صرح القديس بولس الرسول في رسالته الأولى لتيموثاوس”عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد”(1تي3: 16)، هذا يرينا روعة إلهنا العظيم، كيف وهو في هذا العلو ينزل إلى ذلنا ويتجسد ويتأنس ليرفعنا معه ويجلسنا معه في السماويات”وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع”(أف2: 6).

  إننا في هذه الأيام الرائعة التي نعيش فيها بركات التجسد ونرى فيها عمانوئيل الهنا في وسطنا ومعنا كل حين، تطمئن قلوبنا لحضوره الدائم.

  عزيزي القاريء هل تمتعت بمعية الرب الذي نزل من سمواته ليكون معك بشخصك داعيا إياك باسمك لخلاصك وحياتك الأبدية معه ومع السمائيين بفرح لا ينطق به ومجيد؟! لقد”طأطأ السموات ونزل وضباب تحت رجليه”(مز18: 9). اسمعه يقول لك”لا تخف لأني فديتك دعوتك باسمك أنت لي”(إش43: 1). فشكرا للرب إلهنا العظيم المشرق لنا من العلاء.

Skills

Posted on

January 7, 2016

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This