(لو17:14)
+ صعد الرب ليعد:
عندما قال السيد المسيح لتلاميذه”أنا أمضي لأعد لكم مكانا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إلي حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا”(يو3:14)، هذا الكلام كان موجها لكل أعضاء الكنيسة ممثلة في التلاميذ الأطهار، حيث إعداد المكان سيكون للمدعوين الذين لبوا في داخلهم نداء الدعوة من الرب، ثم رتبوا برنامج حياتهم وهم في الجسد على هذه الأرض، أن يكونوا في حالة استعداد لينطلقوا معه حينما يدعوهم.
ولعل السؤال الذي يدور بذهننا هو، ترى ما هو المكان الذي يعنيه الرب؟! أهو جنة عدن التي طرد منها آدم وحواء؟!، أم هو السماء الثالثة التي رآها بولس الرسول ولم يستطع أن يعبر عما رآه؟!،أهو الفردوس الذي وعد به الرب اللص اليمين وهو على الصليب؟!…إن الجواب على هذه التساؤلات جميعا يتضح من قول الرب نفسه”حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا”(يو3:14)، ومكان السيد المسيح إبن الإنسان هو عن يمين الآب”ثم أن الرب بعدما كلمهم إرتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله”(مر19:16)، إذن فنحن في المسيح يسوع سيكون جلوسنا عن يمين الله، ليس عنوة ولا اختطافا، بل بمسرة الله الآب وغنى نعمته كما عبر عنها القديس بولس الرسول قائلا”وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع، ليظهر في الدهور الآتية غنى نعمته الفائق باللطف علينا في المسيح يسوع”(أف2: 6 ،7). كذلك في سفر الرؤيا يشجعنا الرب على الجهاد والثبات في الإيمان به لنغلب بنعمته فيقول”من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضا وجلست مع أبي في عرشه”(رؤ21:3)، إن المكان الذي أعده الرب لمحبيه هو”مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم الها لهم، وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون فيما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت، وقال الجالس على العرش ها أنا أصنع كل شيء جديدا”(رؤ21: 3 –5).
هنا، ياأحبائي، لابد لنا أن نعرف ماذا كلف الرب هذا الإعداد، وكيف أعده؟!… المسيح له المجد، بتجسده وموته وقيامته ثم صعوده وإرساله الروح القدس المعزي لنا ليكون معنا ويمكث فينا(يو17:14)، رتب لنا هذا المكان والمكانة العظيمة في السماوات، وكان الثمن إخلائه لنفسه وأخذه صورة عبد، واضعا نفسه آخر الكل في طاعة كاملة للآب، ثم قبوله بسرور آلام الصلب وحمل خطايانا في جسده القدوس الطاهر، قابلا أن يصير لعنة وخطية من أجل حبه لخلاصنا، ثم اجتيازه الموت وهو الحياة، مشيرا إلى نفسه أنه هو الباب والطريق إلى هذا المكان السماوي”فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول الى الأقداس بدم يسوع، طريقا كرسه(خصصه) لنا حديثا حيا بالحجاب أي جسده”(عب10: 19 ،20)، وبعد أن جعل كل شيء جاهزا ، دعانا دعوة مقدسة أن نأتي إلى مكاننا المعد لنا، لنشاركه مجده”وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحدا كما أننا نحن واحد”(يو17 :22). والسؤال الآن لماذا نتهاون في تلبية دعوة الرب بعدما أعد كل شيء؟!.
+ تعالوا:
إنها الدعوة الإلهية، وكنا نتوقع أن تكون أمرا وليست دعوة، ولكن رقة الرب المتناهية تجاه أولاده، تجعله يحترم حريتهم لاختياره كأب لهم وكمخلص وفاد لنفوسهم وكراع أمين على خرافه الخاصة، ومن ثم فهو يدعو، كما قال الرب في المثل أن “إنسانا صنع عشاء عظيما ودعا كثيرين، وأرسل عبده في ساعة العشاء ليقول للمدعوين تعالوا لأن كل شيء قد أعد”(لو14 :16 ،17)، هنا الرب وقد أعد كل شيء يدعونا بحب غير محدود لنشاركه عشاءه الإلهي العظيم، ليس في السماء فقط، بل مبتدئا من حياتنا معه ونحن بعد في هذا العالم، فقد عبر السيد الرب عن هذا لتلاميذه في العشاء الأخير قائلا”شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم، لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله”(لو22: 15، 16)، ولقد أشار الكتاب المقدس إلى نفس المعنى في سفر الأمثال”ألحكمة بنت بيتها، نحتت أعمدتها السبعة، ذبحت ذبحها مزجت خمرها، أيضا رتبت مائدتها، أرسلت جواريها تنادي على ظهور أعالي المدينة…هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها”(أم1:9–5) هنا نقف متعجبين من رد فعل المدعوين”فابتدأ الجميع برأي واحد يستعفون، قال له الأول إني اشتريت حقلا ومضطر أن أخرج وأنظره، أسألك أن تعفيني، وقال آخر إني اشتريت خمسة أزواج بقر وأنا ماض لأمتحنها، أسألك أن تعفيني، وقال آخر إني تزوجت بامرأة فلذلك لا أقدر أن آجيء”(لو14: 18 – 20)، لقد غضب السيد رب البيت ولم يقبل اعتذار أي من أولئك المدعوين، والسبب أن الداعي هو ملك الملوك ورب الأرباب وهو الذي إشترانا له ،نحن المدعوين، بدمه الإلهي، ثم أن العشاء والمكان الذي أعد عظيم جدا جدا، بحيث تتضاءل أمامه كل أمور العالم وما فيه”ما لم تر عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه”(1كو2: 9)…هنا خطورة الاستهانة بالدعوة الإلهية تكون كبيرة جدا، فالله من جهته لم يقصر في شيء ليهب أولئك المدعوين الحياة الأبدية ليكونوا معه في المجد إلى الأبد، فستأتي ساعة حينما تنتهي حياة الأرض ويتواجه الجميع مع الجالس على العرش كديان عادل، حينما تفتح الأسفار المدون فيها مدى حب الله وعمله من أجل خلاص كل البشر، وكذلك موته عنهم وإعداده للمكان السماوي، وفي المقابل سيرى الذين لم يلبوا الدعوة في سجلهم، مقدار خسارتهم من جراء التهاون والكسل والإهمال والاهتمام بمحبة الذات ومحبة العالم وتراب الأرض دون محبة الله وعمله الحسن من أجلهم، وحينئذ يكون الندم مع البكاء وصرير الأسنان حينما”يقولون للجبال والصخور أسقطي علينا واخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف، لأنه قد جاء يوم غضبه العظيم ومن يستطيع الوقوف”(رؤ6 :16، 17)، ومرة أخرى يتأكد أنه مع عظم الداعي وعظم عشائه، كذلك يكون عظم غضبه الأخير وعظم الدينونة.
+ إنها ساعة لنستيقظ:
فلنصغ ونبدأ الآن فالوقت مقصر”هذا وانكم عارفون الوقت إنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا، قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور، لنسلك بلياقة كما في النهار لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر لا بالخصام والحسد، بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات”(رو13 :11-14)، الى متى نرفض دعوة الله؟!، ولماذا لا نمد إليه يدنا ونحن نغرق في لجة بحر العالم والشهوات المختلفة فينقذنا كما أنقذ بطرس وهو يغرق؟!، إنه على استعداد كامل لمعونتنا لكي نأتي إليه، فيده لا تقصر عن أن تخلص، فقط يلزمنا أن نطلبه بكل قلوبنا بتوبة صادقة لنجد أحضانه الإلهية مفتوحة لنا، ولنفتح الأذن الروحية فينا لنسمع صوته الحاني الداعي إلى خلاصنا”أليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم”(عب3 :7 ،8)، إنه مازال واقفا على الباب ويقرع حاملا أجرته وعشاءه الإلهي معه معلنا للجميع أنه”إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي، من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضا وجلست مع أبي في عرشه، من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس”(رؤ3 :20–22).
مع الله الذي أحبنا، لنا مكان في السماء ينتظرنا ونأخذ عربونه هنا، فهل نفضل عليه العيش في الكورة البعيدة مع الخنازير نلتمس أن نأكل الخرنوب لنشبع جوعنا، بينما رتب لنا الرب مائدة عشاء عرس الخروف؟!، والسؤال متروك لكل منا لنجيب عليه بأمانة أمام ضمائرنا والله، وهلم معا لنبدأ بدءا حسنا.