عيد النيروز شهادة واستشهاد

,
عيد النيروز شهادة واستشهاد


+ الشهادة لله أنواع كثيرة ، فهناك شهادة الكلمة ، وهناك شهادة الأعمال ، ولكن أعظم شهادة هي شهادة الدم ألتي بها يترجم الشهيد كل معاني الايمان والرجاء والمحبة لله .

+ وكل انسان مسيحي هو مدعو للشهادة لله باسم ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد ، ففي العظة على الجبل نسمع من فمه الإلهي ” فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات ” (مت16:5). وهذه الشهادة هي الشيء الطبيعي لاتحادنا بالنور الحقيقي الذي لمسيحنا فينعكس على حياتنا اليومية وسط العالم.

+ وشهادة الكلمة لابد أن تأتي من قلب يحيا بالايمان، فيقول المزمور ” آمنت لذلك تكلمت ” (مز10:16) ، والكلمة الشاهدة تخرج من الفم لتظهر إيمان القلب الصادق دون رياء ” لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص ” (رو10:10 ).

+ ولقد أعلن السيد المسيح بوضوح ضرورة الشهادة له والاعتراف به أمام الناس ” فكل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضا به قدام أبي الذي في السموات ، ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضا قدام أبي الذي في السموات ” (مت33،32:10). ومعلمنا بولس الرسول يذكر هذا في تعليمه “… في كل شيء استغنيتم فيه في كل كلمة وكل علم كما ثبتت فيكم شهادة المسيح ” ( ١كو6،5:1). وأيضا يوجه تلميذه تيموثاوس للشهادة بالكلمة دون خجل، فيقول ” فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بي أنا أسيره بل اشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله”( 1تي 8:1). وفي سفر الرؤيا يظهر لنا يوحنا الرآئي كيف سيشهد أخنوخ وايليا ( بحسب تفسير الآباء ) ، وذلك عن طريق النبوة ” وسأعطي لشاهدي فيتنبآن ألفا ومائتين وستين يوما لابسين مسوحا ” ( رؤ 3:11 ).

+ ومن علامات المنتهى كما نقرأ في انجيل معلمنا متى البشير أنه لابد أن تكون الشهادة بالكلمة ككرازة أخيرة للعالم كله ” ويكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنتهى ” ( مت 24:14 ). وقد تؤدي الشهادة بالكلمة إلى الشهادة بالدم، وهو ما حدث للأنبياء والرسل والكارزين باسم الرب على مدى الأجيال وهم من الممجدين في السماء والأرض حتى بعد استشهادهم ” ورأيت عروشا فجلسوا عليها وأعطوا حكما ، ورأيت نفوس الذين قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته ولم يقبلوا السمة على جباههم ولا على أيديهم ” ( رؤ4:20 ).

+ أما سفك الدم من أجل السيد المسيح، فهي قمة الشهادة ، فانه ” ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه ” ( يو13:15 ). وحينما أحبنا الله لم يحبنا بالكلام واللسان بل بالعمل والحق ” لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ” ( يو16:3 ). وإن كان الله قد سبق بالحب تجاهنا فنحن ” نحبه لأنه أحبنا أولا ” ( 1يو19:4 ). وإن كان السيد المسيح لاينسى كأس ماء بارد يقدم لأجل اسمه، فكم وكم يكون الذي يسفك دمه انفعالا بحب الرب؟. ومن هنا فالكنيسة تضع الشهداء في ترتيب أسبق من القديسين، فدمهم مازال يشهد ويتكلم عبر الأجيال معلنا إيمانهم بحب المسيح الذي فيهم وهذا ما قاله معلمنا بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين ” بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين فيه شهد له أنه بار إذ شهد الله لقرابينه وبه وإن مات يتكلم بعد ” ( عب11: 4 ).

+ هؤلاء الشهداء لم يذهبوا للموت بإرادتهم كنوع من الانتحار، ولا هو يأس من الحياة، وليس حبا في إظهار نوعا من الشجاعة ليصيروا أبطالا في التاريخ، بل هم ببساطة شديدة، أحبوا الرب أكثر من حياتهم على الأرض فقدموها رخيصة شهادة على صدق مواعيده ومحبته لهم، عالمين أن لهم في السماء وطنا أفضل غير مصنوع بيد إنسان، حيث يمسح الله كل دمعة من عيونهم، واثقين في حقيقة القيامة التي سينالونها من الذي مات من أجلهم وقام، لذلك لم يسألوا النجاة من العذاب والألآم والموت، بل كان منظر المسيح المنتصر الجالس عن يمين العظمة في السماء، يأسر عقولهم وقلوبهم حتى أنهم بقوة المحبة التي فيهم، كانوا يطلبون الغفران لجلاديهم وقاتليهم. وهوذا استفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء يعطينا هذا المثل الرائع، متشبها بسيده الذي غفر لصالبيه، فصرخ من وسط آلآمه وهم يرجمونه بالحجارة قائلا”يارب لا تقم لهم هذه الخطية، وإذ قال هذا رقد”(أع6:7).

+ ولعل هذا المنظر قد أثر بقوة في حياة شاول الطرسوسى الذي كان حارسا لثياب الراجمين، وكان راضيا بقتله، فبعدما ظهر له المسيح وتحول إلى بولس الكارز العظيم، لم يستطع أن ينسى شهادة الحب التي قدمها استفانوس، وقد ذكر ذلك في سفر الأعمال في حوار بولس الرسول مع الرب في صلاته قائلا” يارب هم يعلمون أني كنت أحبس وأضرب في كل مجمع الذين يؤمنون بك، وحين سفك دم استفانوس شهيدك كنت أنا واقفا وراضيا بقتله وحافظا ثياب الذين قتلوه”(أع22 :19 ،20)، وهكذا سار معلمنا بولس الرسول نفس الدرب بشهادة الأعمال وشهادة الكلمة كارزا، وأخيرا بشهادة الدم بقطع رأسه بالسيف على يد نيرون.

+ حقا كما قال الآباء: إن دماء الشهداء هي بذار الكنيسة. فما أعظم شهداء المسيحية الذين هم أنوار شاهدة على درب الحب الواصل إلى السماء.

 

Skills

Posted on

November 12, 2016

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This