لا تذق البهائم شيئا

,
لا تذق البهائم شيئا

+ البهائم والوحوش:

  قد نتعجب ياإخوتي من أمر ملك نينوى وندائه بعدما قام عن كرسيه وخلع رداءه عنه وتغطى بمسح وجلس على الرماد وقال”لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا، لا ترع ولا تشرب ماء”(يون3: 6 ،7). ولكن دعونا نتأمل في كلمة البهائم.

  فكم من بهائم فينا، بل وحوش كاسرة داخلنا؟! أليست النجاسة الفاعلة في ذهننا وأعضائنا وشهواتنا، هي بهائم ترعى في كياننا العتيق لا تطلب إلا أن تملأ جوفها بكل ما هو غير مسموح لها بأن تلتهمه؟! ألم يكن هذا هو منطلق تحذير الرب لنا في هذا المضمار بأن”كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه”(مت5: 28). وهكذا في العهد القديم حذرنا الله من الشهوة الرديئة التي تريد حيازة وامتلاك ما ليس لها”لا تشته بيت قريبك. لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئا مما لقريبك”(خر20: 17).

  لقد عنف بولس الرسول أهل كونثوس لأن شهواتهم البهيمية طغت على المحبة التي كانت بينهم في لقاءات الأغابي في الكنيسة والتي للأسف ما زلنا نعاني منها حتى الآن”فحين تجتمعون معا ليس هو لأكل عشاء الرب، لأن كل واحد يسبق فيأخذ عشاء نفسه في الأكل، فالواحد يجوع والآخر يسكر، أفليس لكم بيوت لتأكلوا فيها وتشربوا أم تستهينون بكنيسة الله وتخجلون الذين ليس لهم؟!”(1كو11: 20 ،21).  وكان قد سبق ووبخ الكورنثيين أيضا لأنهم احتفظوا بينهم بمن زنا بإمرأة أبيه”يسمع مطلقا أن بينكم زنى وزنى هكذا لا يسمى بين الأمم حتى أن تكون للإنسان امرأة أبيه، أفأنتم منتفخون وبالحري لم تنوحوا حتى يرفع من وسطكم الذي فعل هذا هكذا؟”(1كو5: 1، 2).

  ثم ماذا عن الوحوش الكاسرة التي تربض في مخابيء نفوسنا الدفينة؟! ماذا عن وحش الغضب الجاثم على الذات المنتفخة المتعجرفة؟!. ماذا عن هذا الأسد المفترس الذي حينما ينفك إلى خارجنا في نوبات غضبنا، قد يصل بنا إلى حد السب والشتم والقباحة والتحطيم وحتى القتل. من هنا نستطيع فهم ما قاله الرب” كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم”(مت5: 22). وأيضا أكد معلمنا يوحنا الحبيب هذا في رسالته”كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ثابتة فيه”(1يو3: 15). ولنا في قايين المثل الواضح لوحش الغضب المفترس داخله الذي أدى به إلى قتل هابيل أخيه”ليس كما كان قايين من الشرير وذبح أخاه ولماذا ذبحه لأن أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه بارة”(1يو3: 12).

  أما عن الحسد فهو من الوحوش الضارية فينا أيضا، وتدميره فظيع لنفس الحاسد أولا، ثم أن له أضرارا سالبية بالغة. ويكفي أن نعرف أن مربي الحسد ومغذيه الأول هو إبليس مستخدما الذات المتكبرة. فالذات تريد أن تكون الأولى والمتميزة والمرتفعة قبل كل شيء وفوق الجميع. وفي عدم محبتها وتألهها في عين نفسها لا تقبل الخير للآخرين. إننا لا ننسى أبدا حسد أخوة يوسف له بسبب القميص الملون من أبيه يعقوب له، وأيضا بسبب أحلامه الرؤيوية. وكم أدى هذا بأخوته ليفكروا بقتله وألقوه في البئر ثم باعوه كعبد ليتغرب في مصر. ثم ألم يسلم رؤساء الكهنة والشيوخ يسوع إلى بيلاطس ليصلبه وأراد بيلاطس اطلاقه:لأنه علم أنهم أسلموه حسدا؟!”(مت27: 18). ولكن كانت النتيجة أن جاع أخوة يوسف وتذللوا أمام أخيهم بعدما رفعه الله وجعله ثان لفرعون ومدبرا لطعام الأرض كلها، كما أن الكهنة ورؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وكل من رفض المسيح له كل المجد، ترك لهم بيتهم خرابا وهدمت أورشليم علهيم وحرقت بعدما قام الرب منتصرا وصعد إلى السماء وأنتهى من أسلموه حسدا محترقين بحسدهم.

  ياأحباء الرب. هذه عينات قليلة من بهائم ووحوش داخلنا بسببها يأتي غضب الله على أبناء المعصية. فلابد لكي ننجو أن لا نذيقها طعامها لتموت فينا.

+ لا تذق:

  من هنا ظهرت أهمية الصوم وفاعليته. فليس الصوم هو مجرد استبدال طعام شهي بآخر غير شهي. ولا هو مجرد انقطاع عن الأكل والشرب ثم نفطر علي بعض البقوليات. فيمكننا أن نفعل هذا دون فائدة إن لم نجفف ما يغذي تلك البهائم والوحوش. ولقد وضع لنا الرب وصفة رائعة في سفر إشعياء الإصحاح 58 وهي”حل قيود الشر(البغضة والنميمة ودينونة الاخرين وعدم عمل الخير)،فك عقد النير(أن ينفك الانسان من العقد النفسية والروحية التي تكونت عنده منذ الصغر وخبرات الشر والنجاسة وصغر النفس أو الكبرياء الفارغة التي أدمنها بطريق أو آخر، وذلك بالتوبة والاعتراف وكشف النفس تماما أمام أب الاعتراف)، إطلاق المسحوقين أحرارا(الذين تحت سلطاني في العمل أو من أهل بيتي أو الخدم والذين يقومون بالأعمال الأقل في عيني، وأقهرهم لفقرهم المادي أو النفسي أو الروحي وأتلذذ بإذلالهم واستعبادهم إذا كانوا مديونين لي بشيء، ألم يطلقنا الرب أحرارا بعدما كنا عبيدا للموت والشيطان ودفع للموت نفسه لنحيا ؟!)، أليس أن تكسر للجائع خبزك(لا أن تتفضل عليه بإلقاء عطيتك له من عليائك)، وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك(وهنا تأتينا كلمات يولس الرسول لتنير لنا الطرق”ولا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون”(عب13: 2)، إذا رأيت عريانا أن تكسوه( وليس فقط العريان هو من ليس له ثياب بل أيضا من هو غير مكسو ببر المسيح الذي يقدمه مجانا لكل من يؤمن به ويقبل الحياة معه، فقط يريد الرب يدنا لتمتد وتأخذ منه لتشبع الجموع، ألم يقل لتلاميذه أعطوهم أنتم ليأكلوا؟!.، وأن لا تتغاضى عن لحمك( أي لا تغض الطرف عن كل من يشاركك الحم والدم. أي كل البشر باختلاف ألوانهم ولغاتهم ودياناته وتوجهاتهم. فلم يمتدح الرب الكاهن واللاوي اللذين نظرا المجروح والملقى على الطريق بين حي وميت وجازا مقابله، ولكن الرب توقف كثيرا عند ذلك السامري الصالح المختلف عن اليهودي المطروح في كل شيء ولكنه لم يتغاض عن لحمه أي الانسانية التي تجمع الكل في واحد.

  مرة أخرى أقول أننا لوطبقنا هذه الوصفة الإلهية في حياتنا فإن البهائم والوحوش التي داخلنا لن تذوق شيئا يغذيها، ورويد رويدا ستسقط وتموت بقوة المسيح الذي قال لنا”بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا”(يو15: 5).  

  

Skills

Posted on

February 7, 2016

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This