لقاء طبرية

,
لقاء طبرية

+ ياغلمان:

  هذا ما رآه الرب القائم من الأموات. فرغم ظهوره للتلاميذ في العلية أكثر من مرة ورغم أنه خصَ توما بظهور متميز ليرجعه عن شكه، إلا أننا نجده يرافق بطرس، صاحب الدعوة للرجوع إلى الأركان الضعيفة لمهنة قديمة كان الرفاق قد تخلوا عنها تماما، وأعلن بطرس هذا للرب حينما قال له”ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك”(لو18: 28)، ولكننا فوجئنا بتلك الدعوة الغريبة من بطرس لبعض من التلاميذ”قال لهم سمعان بطرس:أنا أذهب لأتصيد، قالوا له:نذهب نحن أيضا معك، فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئا”(يو21: 3). ولم يمتنع الكتاب المقدس عن ذكر السبعة أسماء المتقهقرين”سمعان بطرس، وتوما الذي يقال له التوأم، ونثنائيل الذي من قانا الجليل، وابنا زبدي، واثنان آخرين من تلاميذه مع بعضهم”(يو21: 2)، وليس غريبا أن يمضوا الليل كله دون صيد سمكة واحدة. ألم يقل لهم الرب قبلا” بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا”(يو15: 5). ثم كيف بعد ثلاثة سنين وأكثر من تعليم الرب لهم وإظهار لاهوته بالآيات والمعجزات أمامهم، وكيف تحققت في شخصه جميع النبوات التي كتبت عنه ومن أجله الخاصة يميلاده وحياته وموته وقيامته، كيف بعد هذا كله وبعد ظهوره لهم وتفسيره للكتب، تظل قلوبهم قاسية وأذهانهم بطيئة الفهم والشك يسيطر على نفوسهم؟! ويكون الوضع الطبيعي بعد ضربات الشيطان المتلاحقة لهم، أن يقرروا التخلي عن حلم جميل عاشوه مع المعلم لسنين ثلاث وأكثر، مضت، ليفيقوا على الشكوك تعصف بإيمانهم تحت ضغوط الحياة ومستلزمات احتياجات الحياة اليومية للعائلة والأطفال ولم يعلموا بأنهم بهذا العمل رجعوا وتراجعوا ليصيروا”غلمانا”…؟!

 

  ولا نتعجل ياأخوة في لومهم والحكم عليهم، فكلنا يصيبا الشك في حب الله وأبوته وقدرته وحنانه وغفرانه وعنايته، حينما نقع في تجارب متنوع. وحينئذ يلذ لنا أن نصرخ مع المرنم” إلى متى يارب تنساني كل انسيان؟!، إلى متى تحجب وجهك عني، إلى متى أجعل هموما في نفسي وحزنا في قلبي كل يوم، إلى متى يرتفع عدوي علي”(مز13: 1، 2). ثم ننثني على أنفسنا في غير ثقة في الرب لنلتجيء إلى: الناس أو الرشوة أو المال أو في بعض الأحيان للدجل والسحر وقراءة الفنجان والكف، أو للجان والسحر والأعمال والارتماء في حضن الشيطان. انها مصيبة هذا العصر الذي نعيشه وهو قلة الإيمان والتخلي عن عشرتنا القديمة مع الرب محاولين أن نصطاد شيئا بدونه في وسط أمواج هذا العالم الضطرب والذي وضع في الشرير، ولكن هيهات. اننا نكو ن حينئذ، غلمانا بل أطفالا في الإيمان إن وجد بعضه. وهنا نتذكر قول الرب”متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض؟!”(لو18: 8). أخشى ياأحباء الرب أن نصل للدرجة التي فيها ننزل من أن نكون رجالا في الإيمان، لنصبح في عيني الرب غلمانا. فلنسمع لقول بولس الرسول مناشدا لنا قائلا”اسهروا. اثبتوا في الإيمان. كونوا رجالا”(1كو16: 13).

 

  إن الشك هو سلاح  عدو الخير الأول لضرب الإيمان والمؤدي إلى الخوف. والطريق الأوحد للتغلب عليه، أن نتبع ما أوصى به الرب تلاميذه في بستان جثسيماني ليلة صلبه”إسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة”(مت26: 41). والقديس بطرس الرسول يوصينا هكذا”أصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسا من يبتلعه هو. فقاوموه راسخين في الإيمان”(1بط5: 8، 9).  

 

+ هو الرب:   

 

  نعم هو الرب الذي ظهر لليائسين من تلاميذه والمتشككين في قيامته. كلمة قالها “ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس: هو الرب”(يو21:7). نعم هوالرب الذي يراقب عن قرب تابعيه والذين آمنوا به مرة ثم اجتاحتهم أمواج الشك والريب في قوته وقيامته التي هي قيامتهم. هو الرب الذي يأتينا على شاطيء طبريتنا التي لا يمكن أن تعطينا صيدها وخيرها بدونه. هو الرب الذي يحتمل ضعفنا وتكرار سقوطنا وجهلنا وعدم معرفتنا، بل وقساوة قلوبنا في أكثر الأحيان. نعم هو الرب الذي يأمر بالغنى حينما يداهمنا الفقر روحيا ونفسيا وحتى جسديا. ألم يسأل”الغلمان” قائلا”ياغلمان ألعل عندكم إداما؟!”… وكان الجواب بغصة اليأس والقنوط…”لا”(يو21:5). حقا أنها “لا” الفقر والعوز، “لا” الضياع والفشل بعيدا عن الرب. لقد قضوا الليل كله في محاولة لاصطياد ولو سمكة واحدة ولكن لم يعطهم أحد. أليس هذا هو حال كل من يضل طريق الحبيب وحضن أبيه ومعلمه. ألم يكن هذا هو بالضبط ما حدث للابن الضال في الكورة البعيدة، كورة الاتكال على المال والصحبة الرديئة وشهوات سائر االأشياء؟! أليست هذه جميعا خنازير هذا الدهر التي تأكل عمرنا بإرادتنا وأمام أعيننا لأننا تركنا”ينبوع المياه الحية لننقر لأنفسنا آبارا آبارا مشققة لا تضبط ماء”(إر2: 13)، وبالتالي لا نمضي إلا فارغين، عطشى وجياعا؟! هكذا يخبرنا الكتاب عن الابن الضال”وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله فلم يعطه أحد”(لو15: 16). كل هذاتلخصه هذه الآية”وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئا”(يو21: 3).

 

  هو الرب الذي يشرق بشمس بره وصبحه علينا حينما نهدر عمرنا ليصبح ليلا مظلما بلا صيد للحياة الأبدية للفرح والسلام والشبع الحقيقي. إننا حينما نتقي الرب ونتبعه في قلبنا، فرغم ضعفنا وسقوطنا وتراجعنا ايضا، واجتيازنا ظلمة هذا الدهر، فالرب يأتينا بالصبح والنور والفرح والشبع والسرور”تعرفني سبل الحياة. أمامك شبع سرور. في يمينك نعم إلى الأبد”(مز16: 11). هكذا رأينا الرب على شاطيء طبرية”ولما كان الصبح وقف يسوع على الشاطيء”(يو21: 4).
  عزيزي القاريء، مهما كانت الخسائر التي لحقت بك على كل المستويات الروحية والنفسية والمادية، فاطلب الرب فهو عنك ليس ببعيد بل هو الزق لك من الأخ، ستجده على شاطيء ضعفك وانهيارك وشعورك بالضياع، يدعوك أن تلقي كل اتكالك على كلمته ووعده، فعن يمين سفينة إيمانك ستفوز بصيد وفير وتصل إلى شاطيء الأمان، تجده يحتضنك بكل الحب والغفران والشبع والسرور.    

Skills

Posted on

June 7, 2016

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This