+ النذر، ما هو؟!
حينما يتعهد الإنسان في داخله أو علنا، بعمل شيء معين أو التزام محدد، إذا تم أمر ما فهو نذر. غير أن كلمة نذر أخذت بعدا دينيا على مدى الأجيال، ليكون منحصرا إلى حد كبير وموجها لله حتى ولو كان من خلال التشفع بأحد القديسين.ولقد كان الوثنيون أيضا يقومون بعمل نذور لأصنامهم لاسترضائهم والحصول منهم على ما يطلبون. ولكن هل نذورنا مثلهم؟!. بالطبع لا. فلقد كانت عباداتهم ملوثة بالنجاسة والزنا وكذا نذورهم وتقدماتهم غير طاهرة بسبب ذهنهم وعبادتهم الشيطانية. فماذا إذا عن نذورنا للرب؟! .
+ شروطه والوفاء به
إذا كان النذر يخص تكريس إنسان ليكون نذيرا للرب كما كان في العهد القديم، فكان له طقس محدد ومعروف يلتزم به كل أيام حياته، وإذا أخل بشروط تكريسه ونذره للرب كانت نعمة الله تفارقه كما حدث لشمشون”فتراءى ملاك الرب للمرأة وقال لها ها أنت عاقر لم تلدي. ولكنك تحبلين وتلدين ابنا. والآن فاحذري ولا تشربي خمرا ولا مسكرا ولا تأكلي شيئا نجسا، فها أنت تحبلين وتلدين ابنا ولا يعل موسى رأسه لأن الصبي يكون نذيرا لله من البطن”(قض13: 3 –5). ولقد رأينا كيف فارقت قوة الله شمشون عندما خان عهد وشروط النذر، فسمح بأن يقص شعره الذي كان رمز تكريسه”ولما رأت دليلة أنه أخبرها بكل ما بقلبه أرسلت فدعت أقطاب الفلسطنيين…ودعت رجلا وحلقت سبع خصل رأسه وابتدأت بإذلاله وفارقته قوته. وقالت الفلسطينيون عليك ياشمشون فانتبه من نومه وقال أخرج حسب كل مرة وانتفض، ولم يعلم أن الرب قد فارقه”(قض16: 18–20).
أما بالنسبة ليوحنا المعمدان، فقد قال رئيس الملائكة جبرائيل لزكريا عن يوحنا”أنه يكون عظيما أمام الرب وخمرا ومسكرا لا يشرب”(لو1: 15). ولما التزم يوحنا بشروط تكريسه ونذره صار عظيما بحسب شهادة السيد المسيح نفسه عنه قائلا”أنه بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان”(لو7: 28).
ولابد من الوفاء بالنذر بحسب ما نطقت به شفتا الناذر بالنسبة للمكان والزمان وكل المواصفات التي حددها الإنسان بفمه أو في ضميره الخفي، فقد جاء في سفر العدد أمر الرب بهذا الشأن هكذا”إذا نذر رجل نذرا للرب أو أقسم قسما أن يلزم نفسه بلازم فلا ينقض كلامه، حسب كل ما خرج من فمه يفعل”(عد30: 2)…“ما خرج من شفتيك احفظ واعمل كما نذرت للرب الهك تبرعا كما تكلم فمك”(تث23: 23). وكذلك تكلم داود النبي في مزاميره قائلا:”أدخل إلى بيتك بمحرقات أوفيك نذوري التي نطقت بها شفتاي وتكلم بها فمي في ضيقي، أصعد لك محرقات سمينة مع بخور كباش أقدم بقرا مع تيوس”(مز66: 13–15)… “أوفي نذوري للرب مقابل شعبه في ديار بيت الرب في وسطك ياأوروشليم”(مز116: 18 ،19). كما أنه ليس حسنا أن نؤجل أو نتأخر في الوفاء بالنذز لأن في هذا جهل واستهانة بالرب”إذا نذرت نذرا لله فلا تتأخر عن الوفاء به لأنه لا يسر بالجهال، فاوف بما نذرته”(جا5: 4)…“إذا نذرت نذرا للرب إلهك فلا تؤخر وفاءه، لأن الرب إلهك يطلبه منك فتكون عليك خطية”(تث23: 22).
+ خطورة كسر النذر
ألكتاب المقدس يحذرنا من عدم الوفاء بنذورنا للرب، وقد رأينا سابقا كيف فارقت شمشون قوة الرب لما كسر نذره، لذلك لابد لنا أن نكون واعين وصادقين وقادرين عندما ننذر شيئا لله. والكتاب يقول”لا تستعجل فمك ولا يسرع قلبك إلى نطق كلام(نذر أو تعهد)قدام الله، لأن الله في السموات وأنت على الأرض…أن لا تنذر خير من أن تنذر ولا تفي”(جا5: 2 ،5). وخطورة كسر النذر أو عدم الوفاء به أو التغيير في قيمة قررنا عطائها أو ما نطقت بها شفتانا أو الرجوع فيما قررناه في ضميرنا وقلوبنا أمام الله، انه يعتبر استهانة بالرب وكذب على روحه القدوس. ولمزيد من المعرفة عن هذا الأمر الخطير يليق بنا مراجعة قصة حنانيا وسفيرة في سفر أعمال الرسل(أع 5: 1 –11).
+ التعقل في النذر
وهو أمر في غاية الأهمية. فلعل في قصة يفتاح الجلعادي درسا لنا حتى لا نستعجل بنطق النذور بلا تعقل سواء بفمنا أو في قلوبنا”ونذر يفتاح نذرا للرب قائلا: إن دفعت بني عمون ليدي، فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند بني عمون يكون للرب وأصعده محرقة”(قض11: 30 ،31). ويالحسرة قلبه وقلوب الشعب كله، فلقد كانت إبنته الوحيدة هي التي خرجت لاستقباله بدفوف ورقص بعد عودته منتصرا، ولكنه من أجل وفائه للنذر قدمها محرقة”وفعل بها نذره الذي نذر”(قض11: 39).
+ بعض أمثلة للناذرين
توجد أمثلة كثيرة جدا لأناس نذروا للرب وأوفوا. فقد نذر يعقوب لله نذرا لما كان هاربا من عيسو وظهر له الرب في حاران”ونذر يعقوب نذرا قائلا إن كان الله معي وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه وأعطاني خبزا لآكل وثيابا لألبس، ورجعت بسلام إلى بيت أبي يكون الرب لي إلها وهذا الحجر الذي أقمته عمودا يكون بيت الله وكل ما تعطيني فإني أعشره لك”(تك28: 20 –22). وها نحن نرى حنه أم صموئيل كيف نذرت نذرا للرب، أن أول ما يعطيها من نسل يكون له نذيرا،فاستجابها الله وأعطاها صموئيل”فصلت إلى الرب وبكت بكاء ونذرت نذرا وقالت يارب الجنود إن نظرت نظرا إلى مذلة أمتك وذكرتني ولم تنس أمتك بل أعطيت أمتك زرع بشر فإني أعطيه للرب كل أيام حياته ولا يعلو رأسه موسى”(1صم1: 10 ،11). ونرى أيضا يونان وهو في بطن الحوت أنه صلى للرب ونذر نذرا ووعد بإيفائه عندما يخلصه الله”أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك وأوفي بما نذرته، للرب الخلاص”(يو2: 9). كما أننا نقرأ في الكتاب عن بولس الرسول أنه كان عليه نذرا تممه في كنخريا”وأما بولس فلبث أيضا أياما كثيرة ثم ودع الأخوة وسافر في البحر إلى سورية ومعه بريسكلا وأكيلا بعد ما حلق رأسه في كنخريا لأنه كان عليه نذر”(أع18: 18).
+ ألنذور والبكور والعشور
هي ثلاثة ليتنا نلتزم بها تجاه الله بلا تهاون، فنذوق بركة الرب وغنى عطاياه في حياتنا وبيوتنا وأولادنا، قائلين مع داود النبي”لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك…هي من يدك ولك الكل”(1أي29: 14 ،16)، فنسمع من الرب وعده”أفتح لكم كوى السموات وأفيض عليكم بركة حتى لاتوسع… ويطوبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرة قال رب الجنود”(ملا3: 10 ،12).