+ صوم الخارج:
حينما قدم الشعب في القديم أصوامهم لم تكن بحسب الله في داخلهم، بل كانت مجرد مظاهر يقوم بها الجسد من الخارج وفقط. ولقد عاتب الناس الرب قديما قائلين:”لماذا صمنا ولم تنظر، ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ؟!”(إش58: 3)، فأشار الرب إلى شكل صومهم الذي اكتفوا في ممارسته بالخارج فقط حيث”يذلل الإنسان فيه نفسه يحني كالأسلة رأسه ويفرش تحته مسحا ورمادا”(إش58: 5).
هنا يأتينا صوت الرب داعيا”ياابني إعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي”(أم23: 26). فالرب لا يهتم كثيرا بالخارج إذا كان الداخل بعيدا عنه. وهذا ما قاله السيد المسيح لكل واحد من الفريسيين:”أيها الفريسي الأعمى نق أولا داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضا نقيا”(مت23: 26). فما المنفعة من الصوم الشديد ومظاهر التذلل والنسك مع قلب في الداخل بعيد كل البعد عن محبة الله والناس؟! كيف مع الصوم أكون في خصومة مع الله والآخرين؟! كيف يكون صومي وانقطاعي عن الأكل والشرب والذهد في الطعام مصحوبا بالشر؟!، فلساني لا يكف عن ضرب الناس بمسك السيرة ودينونة الكبير والصغير، مع الشتم والسب إذا لزم الأمر، ونظري لا يستحي من رؤية ما لا يليق النظر إليه، وفكري ملوث بالحقد والكراهية والحسد وكل ما هو نجس.
الرب ياأحبائي ينظر إلى القلب في الداخل ويريد أن يملك عليه ليحرر صاحبه من الذات وربط الشيطان والعالم الذي وضع في الشرير. إنه واقف على بابنا يقرع، وإن سمعنا صوته وفتحنا يدخل إلينا في الداخل يطعمنا عشاء محبته ويكون معنا يشبعنا من دسم السماء، وننعم بمعيته. إنه يشتاق إلى صدق قلوبنا حينما تكون بكاملها منجذبة إليه في اشتياق الأبناء لأبيهم”لأن عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه”(2أخ16: 9).
هكذا كان صوم وتوبة أهل نينوى من داخل قلوبهم، فلم يكتفوا بالتذلل مع الصوم، ولكن بحسب طلب ملكهم تركوا طرقهم الرديئة وشرورهم”ونودي وقيل في نينوى عن أمر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا لا ترع ولا تشرب ماء، وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا إلى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم، لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك”يون3: 7-9).
حينما تكون أصوامنا صادقة بتذلل من الداخل وموجهة لله مباشرة دون استجداء لمديح الناس أو الذات، فإن الرب يستجيب للصلوات المصاحبة لهذا الصوم. أنظروا كيف استجاب الله لكرنيليوس الأممي وهو صائم ويصلي حتى أرسل له بطرس الرسول ليكرز له ويعمده هو وأهل بيته. اسمع ما ذكره سفر الأعمال عن هذا” فقال كرنيليوس منذ أربعة أيام إلى هذه الساعة كنت صائما وفي الساعة التاسعة كنت أصلي في بيتي وإذا رجل وقف أمامي بلباس لامع وقال: ياكرنيليوس سمعت صلاتك وذكرت صدقاتك أمام الرب”(أع10: 30، 31).
+ صوم الداخل:
تعالوا نأخذ لأنفسنا أربعة مما يطلبه منا الرب في الصوم كتدريب لنا، ونرى البركات الملازمة لهذا:
1- حل قيود الشر: ومن أين يأتي الشر إلا من الشرير وأتباعه. والشيطان الشرير لا يدخل إلينا إلا عن طريق الفكر فلابد أن فكرنا يكون محلولا من قيود الشرير وأفكاره وحيله التي يبثها مباشرة في تيار أفكارنا في سهو منا”يشبه ملكوت السموات إنسانا زرع زرعا جيدا في حقله وفيما الناس نيام جاء عدو وزرع زوانا في وسط الحنطة ومضى”(مت13: 24، 25). أو التي تعرض علينا من خلال حواسنا الخمس. وهنا نصرخ إلى إلهنا دائما لكي يحفظ أفكارنا فيه وبه وله، وهذا نناله بأن يكون لنا فكر المسيح بالتسلح بأسلحة الروح بكلمة الله والصلاة والخضوع الكامل للوصية:”إذ أسلحة محاريتنا ليست جسدية بل قادرة بالله على هدم حصون هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح”(2كو10: 4، 5). كما يمكننا أن نحل كل ما يربطنا بالأشرار ويجرنا إلى عمل الشر. ولابد أن نعلم أننا نحتاج لقوة التحرير من ابن الله. “اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملا”(يو16: 24).
2- فك عقد النير: الخطية نير يثقل كاهلنا خصوصا إن تمكنت من جهازنا العقلي والعصبي لتستعبد الإرادة وتدخلنا في إدمانها. عزيزي المبارك في الرب، إن كنت مدمنا لأي شيء في هذا العالم فأنت لست حرا بل عبد. ليس لك إلا أن تأخذ قرارا لتتحرر وتسكب نفسك أمام المحرر الأعظم ربنا يسوع المسيح وبدموع وإصرار تطلب الحرية وهو قادر أن يفعل لك هذا”فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا”(يو8: 36). إنه يستطيع أن يحرركل عقد النفس التي أثقلت كاهلك بسبب الوراثة أو التربية الخاطئة أو المجتمع أو الظروف التى مرت بك. هو وحده الذي يحررك من صغر النفس ومن كبرياء الذات ويرفعك فوق كل التحديات التي تربطك.
3- إطلاق المسحوقبن أحرارا: سواء كان المسحوقين قد جار عليهم الزمن أو الناس أو أنت. انظر إلى مسيحك وتعلم وخذ منه القدرة والقدوة ، وكما سلك هذا، هكذا ينبغي أن نسلك. لقد قيل عنه”روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشرالمساكبن أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لآنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية”(لو4: 17). السؤال لنا، كيف نعامل الناس الأصغر والأقل الذين حولنا، هل نكون سببا في سحق نفوسهم ثم نصوم؟!.
4- قطع كل نير: وهذا يعني قطع كل محبة غريبة من القلب تجذبنا بعيدا عن الله. إن هذا بمثاية ختانة القلب وقطع غرلته العتيقة فلا نرتبط إلا بالرب من كل القلب والنفس والفكر والقدرة. هو صنع معنا هذا وبذل نفسه لأجلنا، فليس أقل من أن نبادله الحب بالحب.
+ ثمار الصوم المقبول:
” حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك وتنبت صحتك سريعا ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك حينئذ تدعو فيجيب الرب تستغيث فيقول هاأنذا… يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر ويقودك الرب على الدوام ويشبع في الجدوب نفسك وينشط عظامك فتصير كجنة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه ومنك تبنى الخرب القديمة، تقيم أساسات دور فدور فيسمونك مرمم الخرب القديمة مرجع المسالك للسكنى”(إش58: 8 -13).