ألختم….


+ ختم الروح
ألروح القدس الذي نناله بسر المسحة المقدسة(ألميرون) بعد المعمودية، هو ختم الله فينا وهو شهادة موثقة بدمه بأننا له وخاصته وأبناؤه”وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء”(1يو2 :20). وهذا الختم لا يمكن أن يمحى من أعضائنا وأنفسنا وأرواحنا فهو يشهد لنا أننا أولاد الله وورثة مع المسيح كما يقول معلمنا يوحنا الحبيب”وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم”(ايو2 :27)، “بهذا نعرف أننا نثبت فيه وهو فينا أنه قد أعطانا من روحه”(1يو4 :13). وأيضا يعلن هذا معلمنا بولس الرسول بقوله”ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخا ياأبا الآب، إذا لست بعد عبدا بل ابنا، وإن كنت ابنا فوارث لله مع المسيح”(غل4: 6، 7).

وهذا الختم يكون شاهدا لنا ومعنا إن سرنا حسب قيادة وتعليم الروح القدس وطاعة الإنجيل”ولا حاجة بكم أن يعلمكم أحد بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء وهي حق وليست كذبا، كما علمتكم تثبتون فيه”(1يو2 :27)، “لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن، ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم”(أف3 :16،17). فالروح القدس يعني “ألباراكليت” أي المحامي أو المدافع عنا إن قبلنا عمله فينا، وإلا يكون ختم الروح شاهدا علينا للدينونة إن لم نتركه يقودنا في طريق الخلاص المعد لنا”فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصا هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلم به ثم تثبت لنا من الذين سمعوا”(عب2 :3). فهو روح الحق الذي لايماليء ولا يحيد عن الحق ولا يحابي الوجوه. إنه يكره الكذب الذي هو ضد الحق”متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق”(يو16: 13). وهذا ما رأيناه في قصة حنانيا وسفيرة”فقال بطرس يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان(الكذاب وأبو الكذاب)قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل؟!…أنت لم تكذب على الناس بل على الله، فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات”(أع5 : 3-5). وهذا ما حدث لإمرأته سفيرة أيضا.

وختم الروح القدس هو ختم القداسة والطهر والنقاوة، فهو لا يرتاح في القلب الملوث بشهوات الجسد ونجاسات العالم الذي وضع في الشرير، لأن هذه الأمور تحزن الروح. كما أن الكبرياء والتعظم الكاذب والبغضة وعدم الخضوع للمحبة ومتتطلباتها، تقود إلى إطفاء الروح. فإن كنا نحزن ونطفيء الباركليت المحامي عنا، فمن يقف معنا في يوم القضاء؟!

وختم الروح القدس فينا يرعب الشيطان طالما نحن نشهره في وجهه كلما حاول ابتلاعنا، فختم الروح في حياتنا، بمثابة قوة الإنذار لضمائرنا تجاه كل ماهو ضد الله”ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة”(يو16 :8). كما أنه قوة الشهادة لله فينا أمام المعاندين”وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم، فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به، لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم”(مت10: 18-20). ودورنا أن لا نسمح بأي غبار أو أي شيء يغطي نور هذا الختم فينا، فهو سر النور والاستنارة. فإن كنا مهزومين من الشيطان فلنراجع أنفسنا هل نحن السبب في إخفاء ختم الملك الذي وهب لنا حتى يتطاول علينا إبليس وكل أعوانه؟‍! وليفحص كل واحد فينا قلبه، هل نغطي ختم الروح بمحبة المال والممتلكات أكثر من الله؟‍‍! أو أننا نحب العالم وما في العالم أكثر من الذي سبق وأحبنا فضلا ومات من أجل خلاصنا؟!‍‍‍‍

ولنعلم ياأحبائي أن قوة ختم الروح القدس، أننا تسلمناه من الله الذي بحب أبدي أحبنا وبذل ابنه فداء عنا لخلاصنا جميعا. وعندما صعد الابن أرسل لنا الروح القدس ليختمنا به ويثبتنا فيه وفي بعضنا البعض”ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله، الذي ختمنا أيضا وأعطى عربون الروح في قلوبنا”(2كو1 :21 ،22). فهو ختم يعلن أمام العالم والشيطان بل والملائكة وكافة السمائيين وحدتنا في الله وفي بعضنا البعض. وهو الختم الذي سيؤكد ويفرز المختارين الذين حفظوه إلى النهاية وثبتوا في سر الخلاص الذي للمسيح الخروف المذبوح، ليظهروا معه في المجد. لقد استطاعوا- بقوة هذا الختم- أن يغسلوا ثيابهم ويبيضوها في دم الحمل، فأكرمهم الحمل في ملكوته “ورأيت ملاكا آخر طالعا من مشرق الشمس معه ختم الله الحي فنادى بصوت عظيم إلى الملائكة الأربعة الذين أعطوا أن يضروا الأرض والبحر، قائلا لا تضروا الأرض ولا البحر ولا الأشجار حتى نختم عبيد إلهنا على جباههم…بعد هذا نظرت وإذا جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل، وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف، وجميع الملائكة واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات الأربعة…وأجاب واحد من الشيوخ قائلا لي هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم ومن أين أتوا؟‍ فقلت له ياسيد أنت تعلم، فقال لي هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف”(رؤ7 : 2 – إلخ). كما أن الذين ليس لهم ختم الله سيكون لهم ضيق أبدي”ومن الدخان خرج جراد على الأرض فأعطي سلطانا كما لعقارب الأرض سلطان، وقيل له أن لايضر عشب الأرض ولا شيئا أخضر ولا شجرة ما إلا الناس(فقط) الذين ليس لهم ختم الله على جباههم”(رؤ9 : 3 ،4).

من هذا يتضح لنا قوة ختم الروح القدس فينا، وأهميته العظمى لفدائنا وخلاصنا من هذا العالم الشرير الذي وضع تحت قيادة إبليس. وأيضا تظهر قوة عمله في استعلاننا كأبناء الله في يوم مجيئه. ولنسمع وصية الله على لسان معلمنا بولس الذي قال:”ولا تحزنوا روح الله القدوس ألذي به ختمتم ليوم الفداء”(أف4 : 30).

+ ختم الهلاك
على أنه يوجد ختم آخر مقابل ختم الروح القدس، وهو ختم الروح النجس. فالشيطان له سمة وختم مضاد ومقاوم لله. ولو لاحظنا لوجدنا أن الشيطان والنبي الكذاب وضد المسيح يحاولون تضليل الناس حتى لو أمكن المختارين أيضا. وذلك بتقليد ما هو لله ولكن بالكذب والخداع والغواية وصنع قوات مضللة. ولكن الرب سينهيه بنفخة فيه”لأنه لا يأتي إن لم يأتي الارتداد أولا ويستعلن إنسان الخطية إبن الهلاك، المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلها أو معبودا حتى أنه يجلس في هيكل الله (كإله) مظهرا نفسه أنه إله… ألذي الرب يبيده بنفخة فيه ويبطله بظهوره، ألذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في الهالكين لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا”(2تس1: 7 –10). وأخطر ما في الأمر هو السمة التي سيجعلها الشيطان كختم لتابعيه. فبدونها سيكون من الصعب التعامل في العالم دون اضطهاد واضح وعلني”…ويجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يقتلون، ويجعل الجميع الصغار والكبار والأغنياء والفقراء والأحرار والعبيد تصنع لهم سمة(ختم) على يدهم اليمنى أو على جباههم، وأن لايقدر أحد أن يشتري أو يبيع إلا من له السمة(الختم) أو اسم الوحش أو عدد اسمه”(رؤ13: 15– 18). وسمة الشيطان تحمل صفاته وأعماله. لذلك فمن الآن كل من يعمل أعمال إبليس ويقبل أفكاره، فسمته على يمينه(التي تدل على العمل)، وأيضا على جبهته(حيث مركز الفكر). فلنحذر إذن ولا نفكر أننا بعيدين عن ما كتب في سفر الرؤيا. فرغم أننا أخذنا ختم الروح يوم مسحنا بالميرون على جباهنا ويميننا، بل وكل أعضائنا، حتى صارت هي أعضاء المسيح، إلا أننا نعمل خيانة للرب ونصير لآخر الذي هو إبليس فنقبل أفكاره في عقولنا ونمد يميننا للحرام، بل نسلم جسدنا وأنفسنا وأرواحنا لعدو الخير. وهنا نسمع صراخ بولس الرسول باستنكار كامل”ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟!، أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية حاشا”(1كو6: 15). وأما بالنسبة للفكر فجبهتنا التي تقدست بالميرون لا يجب أن تقبل أي فكر بعيد عن المسيح له المجد. وليس الخطية أن ياتينا فكر الشيطان أو العالم أو الذات، ولكن قبول الفكر والتعامل معه بالقلب وتحوله إلى الإرادة ليترجم إلى عمل، فهذا هو الخطية. لذلك ينبهنا الكتاب إلى هذه الحرب ويعطينا كيفية التعامل معها بنعمة الله”إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية، بل قادرة بالله على هدم حصون، هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح”(2كو10: 4 ،5). وخطورة قبول سمة أو صورة أوعدد الشيطان الآن أو فيما بعد، أنها تهيج غضب الله على الذين يفعلون هذا”إن كان أحد يسجد للوحش ولصورته ويقبل سمته على جبهته أو على يده، فهو أيضا سيشرب من خمر غضب الله المصبوب صرفا”(رؤ14: 9 ،10).

فيارب أعطنا أن نحفظ – بنعمتك- ختم روحك القدوس فينا إلى النفس الأخير، ولا تسمح أبدا ياإلهنا أن نذهب وراء الشيطان بغوايته الملعونة من خلال العالم وما يقدمه لنا من ملهيات عن شخصك وخلاصك، هذا الذي قدمته لنا بلا مقابل. حتى نعيش بروحك القدوس ومعك فرحين منتصرين على الشيطان وإنساننا العتيق والعالم الذي حتما سينتهي يوما، فنلاقيك بالفرح عند مجيئك لنكون معك في مجدك إلى الأبد .


كتابة الأب أنطونيوس زكري في نوفمبر ٢٠١٤

Skills

Posted on

November 14, 2014

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This