ألكيل…!!

+ كيل الله:
حينما نتكلم عن كيل الله، فاننا بصدد الغنى غير المتناهي والحب الفياض بلا حدود. ولعلك لم تفكر يوما ما هو حجم ووزن مياه المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار والينابيع، والمياه المجمدة في الثلوج وتلك المختزنة في سحب السماء؟!..أتعلم -عزيزي القاريء- أنها جميعا محسوبة وبدقة متناهية في مكيال الله. إسمع ما يقوله إشعياء النبي:”من كال بكفه المياه”(إش40: 12).
ثم هل تخيلت ولو للحظة أن تجمع في فكرك طول السماء وعرضها وارتفاعها بما تحويه من أرقام فلكية تدوخ العقل؟!. أو ماهو حجم تراب الأرض وطينها، أو هل يمكن أن نضع جميع جبال وآكام ومرتفعات الكون في كفة ميزان عملاق لنعرف وزنها؟!… إليك بهذه الحقيقة أن الله بقياسه ومكياله فعل هذا”وقاس السموات بالشبر وكال بالكيل تراب الأرض ووزن الجبال بالقبان والآكام بالميزان”(إش40: 12).
الله في عطائه ليس محدودا، وذلك بسبب حبه غير المحدود. ومكياله ليس له نهاية، حتى أنه يحسب وكأنه غير محصور بأبعاد ومقاييس. وهذا أعلنه السيد المسيح لنا في إنجيله لما تكلم عن عطية الروح القدس”لأنه ليس بكيل يعطي الله الروح”(3: 34).
من هنا ياأحباء الرب فلنطلب- كبنين- من أبينا السماوي، دون خجل أو وجل، أن يملأنا بروحه بحسب غناه في المجد. لا نطلب هيافات العالم التي يهبا الله للإنسان والحيوان والنباتات ودبيب الأرض دون أن تسأل. أدخلوا ياأولاد الملك إلى حضرته بطلبات أبناء الملوك الذين هم مدعوون لميراث الملك الأبدي. اسمع نصيحة الرب لآحاز الملك فيما يخص الطلبة”ثم عاد الرب فكلم آحاز قائلا:أطلب لنفسك آية من الرب إلهك. عمق طلبك أو رفعه إلى فوق”(إش7: 10 ،11).
على أن كيل الله في تعامله معنا، مرهون بمكيال قلبنا تجاه الآخرين”أعطوا تعطوا، كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في أحضانكم. لأنه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم”(لو6: 38)… كما انه يوجد قانون إلهي خطير فيما يخص الحكم على الآخرين ودينونتهم وهو”لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم”(مت7: 2).
فياأحبائي في يدنا أن نقرر كيف نأخذ من مكيال الرب. فإما بالعطاء والغني، أو بالشح والجفاف. إما بالغفران والبراءة ، أو بالدينونة والحكم… وهذا يرجع لنا.
وهناك أيضا كيل من الله للتأديب. فحينما نمعن في عدم الإصغاء لوصاياه والخضوع لكلمتة المحيية، ونضيع العمر هباء في شهوة العيون وشهوة الجسد وغرور الغنى وتعظم المعيشة. وحينما نعطيه القفا لا الوجه ونضرب بإنذاراته عرض الحائط، ونهرب من مواجهة أنفسنا في ضياء نور الوصية، حينئذ فلا مفر من عصا التأديب حتى يمتليء مكيال الأدب أمام عيني الله، فنصرخ بدموع، بصوت التائب قائلين:”يارب إله الجنود، إلى متى تدخن على صلاة شعبك، قد أطعمتهم خبز الدموع وسقيتهم الدموع بالكيل”(مز80: 4 ،5)…والتوبة ياإخوة هي المنفذ الوحيد لنفلت من هذا المكيال المر.

+ مكيال الإنسان:
وكما أن للرب مكياله، فللإنسان أيضا مكياله. ولكن الله أعطى مقاييس معينة حتى لا تخرج مكاييل الإنسان عن الحق. وقد جعل الرب هذه الضوابط للإنسان حتى ينال بركة من لدن الله. فبعدما خرج بنو اسرائيل من أرض العبودية بمصر، أوصاهم بهذا”وزن صحيح وحق يكون لك، ومكيال صحيح وحق يكون لك، لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك”(تث25: 15).
والسؤال لنا الآن، ماذا عن أمانتنا في معاملات البيع والشراء والالتزام بالعهود فيما يخص المال والاستئمان وحقوق الآخرين في الأجور والرواتب وعدم أكل تعب الآخر أيا كان؟!. ثم ماذا عن الغش التجاري وإخفاء الحقيقة لكسب المال بأية طريقة حتى ولو كانت غير مشروعة؟! ماذا عن حق الدولة وتعاملنا مع المال العام وتعاملنا بالأمانة والحق؟! ثم كيف نجرؤ على تغطية الظلم في مكاييلنا ومعاملاتنا المادية، بأن نواظب على الكنيسة ونمارس العبادة بطريقة ليست من قلب أمين لله، حتى نخدر ضمائرنا لتكف عن تبكيتنا إزاء مصائب حب المال بمكاييل الغش وعدم الحق؟! ألا من وقفة جادة مع أنفسنا للرجوع عن هذا وتوبة صادقة أمام الله، وأن نعيد الحقوق لكل من ظلمناهم؟!…ولنا في زكا المثال الرائع في توبته عن هذا كله”فوقف زكا وقال للرب ها أنا أعطي نصف أموالي للمساكين وإن كنت وشيت بأحد أرد أربعة أضعاف”(لو19: 8).
ومن الأمور التي تحزن قلب الله، أن نكيل بمكيالين. ونكون ذوي رأيين ومنقسمي القلب. من أجل هذا أوصى الرب في الكتاب أن لا يكون فينا هذا”لا يكن في بيتك مكاييل مختلفة كبيرة وصغيرة”(تث25: 14). والمقصود هنا أن تكون ذمتنا واحدة لا تتغير بحسب الأشخاص أو الظروف أو الأماكن. بل نكون أمناء في كل من نتعامل معه بحسب الحق الإلهي.
ولعل نجاح يوسف – الذي كان الرب معه – أنه كان أمينا في معاييره في كل الظروف المختلفة. كان في بيت فوطيفار أمينا وكلن أمام إمرأة سيده أمينا لله، وكان بنفس المقاييس والمكاييل يتعامل مع الجميع. ففي السجن سلمه رئيس السجن المسئولية على المساجين. وفي تفسيره لحلم ساقي الملك والخباز لم يغير كلامه ليرضيهم بل بمكيال الحق والصدق قال ما كشفه له الرب حتى ولو كان قاسيا.
إن هذا الفتى يبكت عدم صدقنا وانقسام فكرنا لأننا نكيل بمكيالين. فعندنا لكل إنسان مقياس ومكيال، ولكل ظرف من ظروف الحياة مقياس آخر. ففي الكنيسة نضع قناع القداسة على أنفسنا ونظهر ميزان الحق. وفي حياتنا اليومية وأعمالنا تظهر مكاييل الغش والطمع والتدليس.
ألوقت منذ الان مقصر ولابد أن نتوب. فكل شيء عريان ومكشوف أمام عيني الله الذي بيده أمرنا. وكل شيء نعمله في السر هو مسجل أمام الله بدقة. ألا من توبة قلبية لنفلت من هذه الصرخة المدوية عبر الأزمان”إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون”(لو13: 5).
وأخيرا فان الله يحب أن نعامل الآخرين بغنى محبته لنا وليس بقانون عين بعين وسن بسن. فرغم أن هذا كان مستوى الشعب في العهد القديم إلا أن الروح القدس تكلم على فم سليمان الحكيم قائلا” معيار فمعيار مكيال فمكيال كلاهما مكرهة عند الرب”(أم20: 10)… فكأولاد المسيح نتبع خطواته الذي”إذ شتم لم يكن يشتم عوضا وإذ تألم لم يكن يهدد بل كان يسلم لمن يقضي بعدل”(1بط2: 23)… لقد أواصانا الكتاب”غير مجازين عن شر بشر أو عن شتيمة بشتيمة بل بالعكس مباركين عامين أنكم لهذا دعيتم لكي ترثوا البركة”(1بط3: 9). وأيضا قال معلمنا بولس الرسول” لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير”(رو12: 21).آمين

Skills

Posted on

July 4, 2017

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This