العين


العين في الكتاب المقدس تذكر تحت معان كثيرة، فهناك عين الانسان الجسدية، وهناك العين الروحية التي ترى ما لا تراه العين الطبيعية في الجسد، كما أنه توجد أعين للحيوانات والطيور والحشرات والأسماك والمخلوقات المختلفة بأشكال وألوان مختلفة. ونسمع أيضا عن ما يسمى بعين العقل. وكأن العقل يرى وله عين، ونسمع في الكتاب المقدس أيضا عن طغمات الكاروبيم المملؤة أعينا، أي مملؤة معرفة. ثم يكشف لنا الكتاب عن عين الله، وهذه الكلمة لاتعني محدودية الرؤيا بالنسبة لله، ولكنها تقودنا من خلال اللغة القاصرة لكي نستوعب بالروح- بقدر استطاعتنا – ما هو أشمل وأوسع فيما يخص أمور الله، لأنه هكذا يخبرنا الكتاب”من عرف فكر الرب أو من صار له مشيرا؟!”( رو34:11 ).

+ عين الله :
نقرأ في سفر الرؤيا عن عيني الرب، أنهما كلهيب نار”هذا يقوله ابن الله الذي له عينان كلهيب نار”(رؤ18:2). ونار الله تكشف أستار الظلام، فتخترق حجب الليل، لأن كل شيء مكشوف وعريان أمام ذاك الذي بيده أمرنا، ولو أحس الانسان بهذا لشعر بالخجل حينما يفكر في عمل الخطية ألتي هي الظلمة الحقيقية، فكيف مثلا أكذب أو أسرق أو أشتهي رديئا أو أتعدى وصايا الرب وأنا أعرف يقينا أن عينيه الملتهبة نارا تضيء حولي وفي داخلي تكشف أعماقي؟… كما أن لهيب النار المنبعث من عيني الرب يحرق ويطهر وينقي فيقدس، وهكذا ندرك لماذا سمي روح الله القدوس بالروح الناري، فما أحوج نفسي لنظرة ابن الله النارية لتعمل عملها حتى تقدسني له كاناء للكرامة يظهر فيه مجده.

كما تأتي أيضا كلمة عين الله في الكتاب بمعنى العناية الفائقة والسهر لحفظ أولاده”أحفظني مثل حدقة عينك بستر جناحيك استرني”(مز 18:17). وأيضا للارشاد والتدريب في طريق الرب” أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلك أنصحك عيني عليك”(مز 8:32). ولنعلم ياأخوتي أن عيني الله على خائفيه الملتمسين رحمته يتوقعون معونته الالهية ورحمته”هوذا عين الرب على خائفيه الراجين رحمته، لينجي من الموت أنفسهم وليستجيبهم في الجوع”( مز19،18:33). وكذلك الانسان الأمين الذي لا يحب الكذب وطرقه ليس فيها التواء وقلبه متواضع ومنكسر أمام الله والآخرين، تكون عينا الرب عليه”مستكبر العين ومنتفخ القلب لا أحتمله، عيناي على أمناء الأرض لكي أجلسهم معي، المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عيني”(مز 7،6،5:101).

ثم أن عيني الرب نقية في رؤيتها نقاء مطلقا حتى أن”السموات غير طاهرة بعينيه”(أي15:15)، فكم بلأكثر الانسان الضعيف الخاطيء”وإن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطيء أين يظهران”(1بط18:4)، ألا يقودنا هذا إلى الانسحاق في تواضع تحت يد الله العالية ليرفعنا في زمان الافتقاد؟، لأننا مهما عملنا كل البر فسنظل أمام عينه ناقصين وغير طاهرين، بل وعبيدا بطالين، وإذا وزننا الهنا العادل، فسنوجد أمامه في الموازين إلى فوق أي ليس لنا أي ثقل أو وزن أمامه، لذلك تعلمنا الكنيسة الملهمة بالروح في قطع صلوات الخدمة الثالثة من تسبحة نصف الليل المبارك فيقول المصلي”بعين متحننة يارب أنظر إلى ضعفي ، فعما قليل تفنى حياتي، وبأعمالي ليس لي خلاص، فلهذا أسأل بعين رحيمة: يارب أنظر إلى ضعفي وذلي ومسكنتي وغربتي ونجني”.

+ عين الانسان :
عندما تكون عين الانسان شريرة، فان وراء ذلك أسبابا كثيرة، أهمها قلب الانسان نفسه، وهذا ما أرشدنا اليه رب المجد في تعليمه حينما قال”لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة، زنى فسق قتل سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة …”(مر 22،21:7). والعين الشريرة تجلب على صاحبها متاعب كثيرة، لذلك في عظة الرب على الجبل نسمعه يقول” … وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما، فإن كان النور الذي فيك ظلاما فالظلام كم يكون؟”(مت 23:6)، كما أن العين الشريرة تجعل الانسان غير نقي القلب متكبرا، يدين الآخرين. هنا يتساءل الرب منبها” ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟! أم كيف تقول لأخيك دعني أخرج القذى من عينك، وها الخشبة في عينك، يامرآئي أخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك”(مت7 :3-5). وفي سفر الأمثال نرى كيف تأتي العين الشريرة بالمصائب على الانسان”ألعين المستهزئة بأبيها والمحتقرة إطاعة أمها تقورها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر”(أم17:30).

وقد تكون عين الانسان عينا غير قنوعة مستبيحة، تنظر إلى كل شيء دون تحفظ، وفي هذا يقول الكتاب في سفر الجامعة “ألعين لاتشبع من النظر”(جا8:1)، ويعطينا سليمان الحكيم خبرته مع العين الشهوانية فيقول”ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما، ثم التفت، فاذا الكل باطل وقبض الريح ولا منفعة تحت الشمس”(جا11،10:2). وأنه لا يخفى علينا أن كل ما نراه بأعيننا في هذا العالم لابد أن ينتهي ويزول”لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم، والعالم يمضي وشهوته وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد( 1يو 17،16:2 ). ولقد طالبنا الرب أن نتعامل بمنتهى القسوة مع أعيننا الشريرة إذا أعثرتنا” فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك لأنك خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقي جسدك كله في جهنم”( مت29:5 ). وعلينا أن نفهم عمق هذه الآية، فهي غير قاصرة على المعنى الحرفي، لأنه يمكن لإنسان أن يقلع عينه التي أعثرته، ويظل يرى بقلبه وعقله وخياله هذه المعثرات ويعيش فيها بقلبه، فما الفائدة إذن؟ ولكن القلع يكون علي المستوى الروحي الداخلي.

كما أن العين الشريرة تظهرالبغضة التي في القلب، وهي عين عمياء بالكراهية والحقد، لذلك يقول الكتاب” وأما من يبغض أخاه فهو في الظلمة وفي الظلمة يسلك ولا يعلم أين يمضي لأن الظلمة أعمت عينيه” (1يو11:2)، كما أنها تكشف عن الالتواء والطريق الغير المستقيمة” ألرجل اللئيم الرجل الأثيم يسعى باعوجاج الفم، يغمز بعينيه يقول برجله يشير بأصابعه في قلبه أكاذيب يخترع الشر كل حين يزرع خصومات” ( أم6: 12-14 ).

أما العين الصالحة، فهي مكشوف لها أسرار السماء، لذلك يطلب داود المرنم إلى الله ويقول”أكشف عن عيني فأرى عجائب من شريعتك”(مز 18:119)، وهي عين شاخصة دائما إلى فوق نحو الله مترجية مراحم الرب بثقة أكيدة أنه يستجيب بحسب غنى صلاحه” إليك رفعت عيني ياساكنا في السموات” ( مز1:123 )، ” أعين الكل إياك تترجى” ( مز15:145 )،” لأن رحمتك أمام عيني” ( مز3:26 )، وصاحب العين المرفوعة إلى السماء، يعلم تماما أنه لابد أن ينجو من فخاخ الشيطان ومن كافة القوى الشريرة الروحية غير المنظورة ” عيناي دائما إلى الرب لأنه هو يخرج رجلي من الشبكة ” ( مز 15:25).

ما أجمل العين البسيطة، والتي وراءها ذهن بسيط نقي، العين المختونة بسكين النعمة، والمرسوم أمامها ودائما يسوع المسيح المصلوب” أنتم الذين أمام عيونكم قد رسم يسوع مصلوبا”( غل 1:3 ). وكما علمنا السيد المسيح أن العين سراج للجسد، خلقها الله لتنير للإنسان طريقه نحو الأبدية السعيدة” سراج الجسد هو العين، فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا”( مت 22:6 )، كما أن الانسان الذي اختبر العشرة مع الله، تكون عينه الروحية قد تأهلت لرؤية الرب، وهذا ما نسمعه من أيوب الصديق موجها كلامه الى الله” بسمع الأذن قد سمعت عنك، والآن رأتك عيني” ( أي 5:42 ). أما الشيء العظيم الذي ينير أعيننا فهو كلمة الله المعلنة لنا في الكتاب المقدس، فوصايا الرب وأوامره ليست لكي يتسلط علينا فهو مكتفي بذاته، ولكنه يعطينا فكره الالهي وطرقه المستقيمة لنشاركه نوره ومجده ونتذوق أفراح الملكوت” وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب، أمر الرب طاهر ينير العين”( مز8:19 ) ، “ياابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي”( أم26:23 ).

ليتك يارب تنعم علينا بأعين صالحة بسيطة نقية متواضعة مترجية مراحمك مستنيرة بوصاياك ، حينئذ نؤهل لمعاينة مجدك، ونكون مستحقين أن تدعونا لخدمة كرمك، ألم تقل لنا مع تلاميذك أن”أرفعوا أعينكم وانظروا الحقول أنها قد ابيضت للحصاد”( يو35:4 )، “إن الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون، فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة الى حصاده ” ( لو 2:10 ).


كتابة الأب أنطونيوس زكري في ديسمبر٢٠١٤

Skills

Posted on

December 14, 2014

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This