تجربته وتجربتنا

تجربته وتجربتنا

+ تجربة الرب:

  القديس لوقا البشير يخبرنا أن الرب يسوع بعدما اعتمد في الأردن”رجع من الأردن ممتلئا من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في البرية، أربعين يوما يجرب من ابليس ولم يأكل شيئا في تلك الأيام ولما تمت جاع أخيرا”(لو4: 1 ،2). هنا ياأحبائي نقف قليلا للربط ما بين المعمودية والانقياد بالروح، ثم البرية والأربعين يوما ثم أيضا الصوم والجوع أخيرا.

   لابد لنا أن نعلم أن كل من يؤمن بالسيد المسيح ويقبل إليه كإبن الله المتجسد والذي مات من أجل خلاصنا وأقيم من أجل تبريرنا وصعد ليعد لنا مكاننا في السماء، ليأتي ايضا فيأخذنا معه إلى الأبد في مجد ملكوته، كل من يقبل هذا بإيمان ويعتمد مدفونا معه بالمعمودية ويقبل حلول الروح القدس الذي يدشن كل حياته وأعضائه بالميرون المقدس ليصير هيكلا لله فيسكن فيه الروح القدس ، كل من يسير في هذا الطريق السماوي، لابد له أن يكون في قيادة الروح إن سلم قياد عقله وإرادته واشتياقاته بل كل حياته لروح الله القدوس.

  لقد كان السيد المسيح، كإنسان كامل شابهنا في كل شيء ما خلا الخطيئة وحدها، نموذجا رائعا للإنسان الذي على صورة الله. فلما اعتمد كإنسان كان كيانه البشري بجملته تحت قيادة الروح حيث كان ممتلئا بالكامل منه”أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئا من الروح القدس وكان يقتاد بالروح في البرية”(لو4: 1). هذا شيء طبيعي لكل من يعتمد وسلم نفسه للروح. ألم نسمع القديس يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا يقول”كنت في الروح في يوم الرب”(رؤ1: 10)، وأيضا “وللوقت صرت في الروح”(رؤ4: 2). والروح فينا حاضر جدا ومستعد لقيادة حياتنا بمجرد تسليمنا القلبي له في كل أمور حياتنا الصغيرة والكبيرة. وقيادة الروح تأتي بإستنارة الذهن فيعرف الإنسان ويميز ما بين الكذب والحق وما بين الحقيقي والغاش، لأن الروح القدس هو روح الحق الذي يعلمنا ويرشدنا إلى جميع الحق، ولذلك لا نتعجب حينما نقرأ في كلمة الله أن”الأنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة…وأما الروحي فيحكم في كل شيء وهو لا يحكم فيه من أحد”(1كو2: 14 ،15). فبقدر ما نسلم الفكر والإرادة لقيادة الروح، بقدر ما يقودنا الروح القدس بيسر في برية هذا العالم الذي وضع في الشرير. وكلما انحزنا لتوجيهات الروح داخلنا في دعوته لنا للصلاة والاغتذاء بكلمة الله وعدم الميل لشهوات الذات والجسد بل طاعة وصايا الرب وسرعة التوبة عن أي خطية سواء كانت بالفكر أو بالقول أو بالفعل أو بأي من الحواس، كلما صنعنا هذا، كلما كانت يد الروح واضحة جدا في قيادة حياتنا اليومية في أدق تفاصيلها. هنا يلزم أن نشدد على أهمية الصلاة لتعلم طلباتنا لدى الرب ثم أخذ الجواب والإرشاد من الكتاب المقدس، كما نه لابد أن يرهف الإنسان السمع ويفتح البصر ويخضع قلبه لما يشير إليه الروح من الأحداث اليومية حوله مع الرجوع لأب الاعتراف من حين لآخر حتى لا يتوه في الطريق من يسلكه بمفرده، فاثنان خير من واحد.

+ تجربتنا:

   ليس هناك بد من تجربتنا مادمنا قد قبلنا أن نولد من فوق لنصير أبناء لله. فنحن هنا غرباء في هذا العالم الذي هو دائرة إبليس(رئيس العالم). وهذا ما رآه يوحنا الحبيب في رؤيته أن الشيطان، الذي يدعى التنين، غضب على الكنيسة التي تلد نسلا للرب كل يوم بالميلاد من الماء والروح”وذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله وعندهم شهادة يسوع المسيح”(رؤ12: 17). إذن، فكما حدث مع الرب في البرية لابد أن يحدث مع أبنائه المؤمنين به في برية هذا العالم. وكما جرب الرب أربعين يوما، ورقم اربعين يرمز للكمال، هكذا ففي حياتنا على الأرض لن يكف أبليس عن تجربتنا كل يوم إلى كمال حياتنا هنا. لذلك يأمرنا الرب أن نسهر ونصلي حتى لا ندخل في تجربة نسقط فيها “اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة”(مت26: 41). لأننا وإن كانت” مصارعتنا ليست مع ودم لحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد اشر الروحية في السماويات”(أف6: 12)، إلا أنه” في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا”(رو8: 37). فالرب حينما صام بجسدنا وإنسانيتنا وانتصر في كل التجارب الشيطانية، أعطانا الغلبة والنصرة على الشيطان إن كنا فيه وهو فينا. فسلطانه الشخصي معطى للخاضعين له من أولاده”ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء”(لو10: 19).

  لذلك لا نخشى شيئا مهما كانت التجارب واضطهادات العالم لنا، لأن الرب معنا، وإن كان الرب معنا فمن علينا؟ بل نصرخ بصوت النصرة مع داود”أيضا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك أنت معي”(مز23: 4). ولعل كلمة (معي) تناسب العهد القديم، وأما نحن في نعمة العهد الجديد فالسيد الرب فينا ونحن فيه: ألم يعلن هذا في صلاته الشفاعية الأخيرة للآب”أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكملين إلى واحد”(يو17: 23)، بل إنه أعطانا جسده ودمه لنتناولهما فنثبت فيه وهو فينا”من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه”(يو6: 56). وحيث أن الرب قد تشارك في جسدنا وإنسانيتنا، فقد ذاق في حياته معنا على الأرض جميع أنواع التجارب والألام التي جازتها البشرية وتجوزها وستجوزها. ولكنه ليس فقط أنه شاركنا فيها وهو لا حول له ولا قوة، بل”لأنه فيما هو قد تألم مجربا يقدر أن يعين المجربين”(عب2: 18).

  أيها القاريء العزيز، مهما كانت آلامك وتجاربك من الشيطان أو من الجسد والأنسان العتيق وكل العالم، فاعلم أن الرب يشاطرك الآمك وأحزانك وتجاربك ليس لمجرد المواساة بل ليعطيك غلبته التي غلبها للشيطان والعالم على جبل التجربة. ليس عليك إلا أن تلقي على الرب همك في الصلاة المؤمنة، وهو يعولك ويعتني بك. واعلم أن الصوم مع الصلاة يخرجان الشياطين من حياتك الشخصية ومن بيتك وعائلتك وعملك، إن كانا من القلب وباتضاع أمام الله. الرب معك.

Skills

Posted on

March 7, 2016

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This