فرح أقطاب الفلسطنيين بعد القبض على شمشون وخلع عينيه وإذلاله ليكون كالثور في الطاحونة وأحضروه ليلعب أمام الجموع في احتفالهم وأفراحهم. وذهبوا” ليذبحوا ذبيحة عظيمة لداجون إلههم ويفرحوا وقالوا قد دفع إلهنا ليدنا شمشون عدونا”(قض16: 23). ولكن لم يكن هذا فرحا أصيلا وحقيقيا، إذ انتهى احتفالهم بهلاكهم جميعا”فدعا شمشون الرب وقال ياسيدي الرب أذكرني وشددني ياالله هذه المرة فقط فأنتقم نقمة واحدة عن عيني من الفلسطنيين، وقبض شمشون على العمودين المتوسطين اللذين كان البيت قائما عليهما واستند عليهما بيمينه والآخر بيساره، وقال شمشون لتمت نفسي مع الفلسطنيين وانحنى بقوة فسقط البيت على الأقطاب وعلى كل الشعب الذي فيه فكان الموتى الذين أماتهم في موته أكثر من الذين أماتهم في حياته”(قض16: 28 -30).
ياأحبائي، ماذا عن احتفالاتنا وأفراحنا. كيف هي وفي أي مكان نقيمها ومع من نحتفل؟! ماذا نلبس وماذا نأكل وماذا نشرب وماذا نسمع وماذا نرى وكيف نسلك للتعبير عن أفراحنا؟! ثم هل الرب يكون حاضرا، أم أن عدوه الشيطان يكون هو “مايسترو” السهرة؟!. أخشى ياإخوتي أن تكون أفراحنا هي في حضور “داجون”، الذي هو رمز للشيطان والذي هو قتال للناس منذ البدء. وكما انتهى الاحتفال الصاخب الذي للفلسطنيين بالموت، فليكن لنا هذا الميزان لأفراحنا، فإن أفراح العالم -الذي وضع في الشرير- تنتهي دائما بالموت. والموت ليس معناه الموت الجسدي ولكن الموت الأدبي الذي نشعره في داخلنا في احساس مرارة الشعور بالذنب وبعدم حقيقة الفرح الكاذب الذي في هذه الأرض والذي يكلفنا مالا ووقتا وتعبا وتوترا عصبيا. لقد لخص سفر أيوب هذاقائلا”أن هتاف الأشرار من قريب وفرح الفاجر إلى لحظة ولو بلغ السموات طوله ومس رأسه السحاب”(أي20: 5 ـ6).
وأحيانا نفرح حينما نغتصب وننال ما ليس لنا. وهذا فرح كاذب أيضا، ليس إلا إلى لحظة. تعالوا نرى ماذا فعل اخاب الملك وزوجته إيزابل حينما أراد الملك أن يضم لبستانه الكبير كرم نابوت اليزراعيلي الملاصق لبستان الملك، وحينما رفض نابوت أن يفرط في ميراث آبائه بأي ثمن، حنق عليه الملك ودبرت زوجه ايزابل خطة شريرة، وبالزور والكذب حكم على نابوت اليزراعيلي بالموت رجما. وتمت المؤامرة الشيطانية وجاءت الشريرة لزوجها الشرير بفرح كاذب تزف الخبر قائلة لآخاب”قم رث كرم نابوت اليزراعيلي الذي أبى أن يعطيك إياه بفضة لأن نابوت ليس حيا بل هو ميت”(1مل21: 15). ولكن صار كلام الله لإيليا النبي على الفور قائلا:”هكذا قال الرب هل قتلت وورثت أيضا؟!…في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت، تلحس الكلاب دمك أنت أيضا… وتكلم الرب عن إيزابل أيضا قائلا أن الكلاب تأكل إيزابل عند مترسة يزرعيل”(1مل21: 19 – 23).
فلنحذر من الفرح الكاذب بأكل نصيب الآخرين وخصوصا الغلابة والمحتاجين ومن يعمل لدينا أحيانا. فلنخف لآن الله ينظر ويطالب. لا نسمح لأنفسنا أن نفرح كاذبا، بالمال الحرام والعللاقات الحرام بالجنس الآخر، ونفكر في أنفسنا بغباء قائلين”المياه المسروقة حلوة وخبز الخفية لذيذ”(أم9:17).
ثم أقول، آه من فرحنا بتسليم السيد المسيح وبيعه بأبخث الأثمان. تعالوا وانظروا معي هذا المشهد البشع لفرح رؤساء الكهنة وقواد الجند مع يهوذا الخائن في صفقة الشيطان لتسليم الرب للذبح”فدخل الشيطان في يهوذا الذي يدعى الاسخريوطي وهو من جملة الإثني عشر، فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه إليهم ففرحوا وعاهدوه أن يعطوه فضة”(لو22: 1،2). ونحن نعلم كيف صارت نهاية أولئك جميعا، فيهوذا شنق نفسه واليهود برؤساء كهنتهم خلطت دماؤهم مع ذبائحهم على يد تيطس الروماني في خراب اورشليم والهيكل في سنة 70 م. فلنحذر غواية الشيطان لنا لتسليم الرب بأن يغرينا بفرح كاذب إلى لحظة، ينتهي بالموت والخراب.
الفرح بالقيامة:
يخبرنا الكتاب بأن التلاميذ فرحوا إذ رأوا الرب(يو20: 20). هنا نري تحولا جذريا من الحزن واليأس إلى فرح لا ينطق به ومجيد. إن القيامة في حياة المؤمن هي قوة الفرح الحقيقي. تعالوا معا لنرى كيف أن بطرس الذي أنكر أمام الجارية وحلف ولعن، أنه لا يعرف يسوع أمام الخدام، هذا الهارب والمرتعب والمختبيء مع التلاميذ في العلية المحكم إغلاقها بالأقفال الحديدية، كيف انطلق وجاهر أمام آلآف اليهود من كل بقاع العالم، شاهدا بقيامة الرب ، بل انه قدم حياته والتلاميذ شهادة لقيامة الرب. إن فرح القيامة يغلب الخوف والموت. اسمعه يقول في يوم الخمسين أمام الجميع”أيها الرجال الاسرائيليون اسمعوا، يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم… وبأيدي أثمة صلبتموه وقتلتموه، ألذي أقامه الله ناقضا أوجاع الموت، إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه… فيسوع هذا أقامه الله ونحن جميعا شهود لذلك”(أع2: 22 -32).
إننا لا يمكننا أن نشهد للرب في حياتنا إن لم نذق قوة فرح قيامته فينا. وقيامته قد نلناها بموتنا ودفننا وقيامتنا معه بالمعمودية”مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضا معه بإيمان عمل الله ألذي أقامه من الأموات”(كو2: 12).
على أن قوة موت الرب وفرح قيامته فينا بالمعمودية لابد له من تفعيل دائم، بأن نعيش حياتنا فيه بالإيمان الحي العامل بمحبة في كل يوم. وهذا يأتي بالخضوع المستمر لوصايا الكتاب المقدس وحياة التوبة والاعتراف والتناول المتواتر من جسد الرب ودمه. هذا يجعلنا نتذوق فرح قيامة الرب فينا “فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد”(1بط1: 8). يقول الكتاب”وجد كلامك فأكلته فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي لأني دعيت باسمك يارب”(إر15: 16). ” ومن يأكلني فهو يحيا بي”(يو6: 57).
إنها حياة الفرح الجديدة التي نتذوقها برفضنا الخطية وأفراح الشيطان والعالم الكاذبة، لكي نسير في طريق الحياة لا الموت ونفرح بتويتنا ورجوعنا لحضن الآب السماوي في التو واللحظة التي نسقط فيها نقوم ثانية بقوة القيامة التي فينا قائلين “لا تشمتي بي ياعدوتي(الخطية)، إذا سقطت أقوم إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي”(مي7: 8)…. إنه عمل الميلاد الجديد فينا بالمعمودية التي هي باستمرار قوة موت للعتيق الذي فينا ثم قيامتنا بالرب ومعه”فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة”(رو6: 4).
كل من له قيامة الرب في حياته له أن يفرح كل حين وخصوصا عند مجيئه للملاقاة الأبدية في المجد.”إفرحوا في الرب كل حين وأقول أيضا افرحوا”(في4: 4). وإن كنا نلاقي آلام هذا الزمان الحاضر واضطهاد الشيطان والعالم والجسد لنا ونحن في هذه الحياة على الأرض لأننا للمسيح، ولكن لنسمع ما يبهج قلوبنا من القديس بطرس الرسول وهويقول: “بل كما اشتركتم في آلآم المسيح افرحوا، لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضا مبتهجين”(1بط4: 13).