فوق كل رياسة

,
فوق كل رياسة

صعد وجلس:

  حينما صعد السيد المسيح أمام تلاميذه القديسين، أخذته سحابة عن أعينهم، ليدخل إلى مجده في الأعالي. وكما يخبرنا الوحي الإلهي على فم معلمنا بولس الرسول فيقول عن عمل الله الأب في المسيح أنه:”أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات”(أف1: 20 ،21). وهنا ياأحبائي نفهم أنه لنا صنع هذا لأنه عمله بجسده الذي هو جسدنا وإنسانيتنا التي هي إنسانيته. لذلك لا عجب أن يقول الكتاب أيضا أن الله”أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع”(أف2: 6). والسبب هو حب الله الآب لنا لأننا في المسيح. لقد كرمنا الله جدا في ابنه المحبوب الذي سر به، فصرنا بالمسيح محل سرور الآب أيضا، لذلك لم يجد غضاضة أن يجلسنا مع المسيح في السماويات. ثم يأتي السؤال مرة أخرى، لماذا؟1 فيأتينا الجواب من الكتاب المقدس”ليظهرفي الدهور الآتية غنى نعمته الفائق، باللطف علينا في المسيح يسوع“(أف1: 7).

  عزيزي القارئ، أنظر أية محبة وكرامة لنا عند الله الآب بسبب مسيحنا المتجسد والمائت والقائم والصاعد بنا إلى أبيه الذي هو أبونا. ألم يكن هذا ما أعلنه الرب بنفسه للمجدلية بعد قيامته من الأموات”قال لها يسوع…اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم أني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم”(يو20: 17). ياأحبائي نحن الذين ولدنا من الماء والروح بالمعمودية ، قد صرنا أبناء الله، وحل فينا الروح القدس بالمسحة المقدسة التي في الميرون، قد صارت السماء مسكننا ومسيرتنا هنا على الأرض لابد أن تكون متجهة إليها، حيث المسيح الذي نحن فيه ولبسناه بالميلاد الجديد في المعمودية جالس عن يمين الله “(كو3: 1).

  فلتكن أفكارنا صاعدة للسماء وسيرتنا في السماويات وحياتنا الداخلية أعلى من الأرض . دعونا كل يوم، ولو لبعض من الوقت،نجلس مع الرب في هدوء وخلوة من كل شيء لنتلمس معه وفيه موضعنا وهو جالس عن يمين أبيه وأبينا فنذوق ونعرف محبة الله لنا التي هي فائقة المعرفة. يكفينا الزمان الذي مضى من حياتنا ونحن لاهون عن نصيبنا في المسيح يسوع.

فوق الكل:

  لم يكن صعود ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، مجرد ارتفاع عن الأرض ولا مجرد تحدي لجاذبيتها، فالعلم منح الإنسان والأشياء أن تطير فوق الأرض وضد قوة جذبها، بل وقد استطاع الإنسان أن ينزل ويتمشى على القمر. ولكن كان صعود ربنا بالجسد ليس بطاقة خارجه عنه كما في الحالات السابقة، ولكن بقوة لاهوته المتحد بالجسد صنع هذا، وليس هذا فقط ولكنه كما أعلن لنا في الكتاب المقدس أنه “صار أعلى من السماوات”(عب7: 26)، وبهذا صار الكل تحت قدميه لآنه هو فوق الكل، لأنه لما أطاع الابن، وهو في الجسد، أطاع الله الآب حتى المنتهى بالموت على الصليب”لذلك رفّعه الله وأعطاه اسما فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض”(في2: 9 ،10)، كل هذا الحب من الآب للابن كان ومازال وسيكون لنا ومن أجلنا. فلنفرح بهذا، لأن المسيح له المجد ذخر كل هذا المجد ليصير فينا بالروح القدس ليكمل عمل الثالوث القدوس تجاهنا”ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي لهذا قلت أنه يأخذ مما لي ويخبركم”(يو16: 14 ،15)… يالعظمة حب الله الآب لنا، وقبوله من الابن طلبته الشفاعية عنا لنتمتع بمجد الله كأبناء حقيقيين له”أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد وليعلم العالم أنك أرسلتني وأحببتهم كما أحببتني… أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني لأنك أحببتني قبل انشاء العالم…وعرفتهم اسمك ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون فيهم”(يو17: 23 ، 24، 26). إنني أندهش من هذه الطلبات المستجابة حتما من الآب من أجل تقوى الابن وطاعته، لأنها كلها لنا إن آمنا وقبلنا عمل الثالوث فينا بطاعتنا للوصيةوشركتنا الحقيقية في جسد الرب الذي هو الكنيسة الحية بروحه القدوس.

  والآن دعونا نرى وننال شيئا بسيطا من عظمة صعود الرب إلى أعلى السموات. لقد أجلسه الآب عن يمينه في العظمة، ولقد صار هذا لنا”أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع”(أف2: 6)، ثم جعله” فوق كل رياسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضا”(أف1: 21). هذا يعني أننا نلنا بالمسيح يسوع هذا السلطان فيه، لذلك أخذنا عربونه ونحن على الأرض حينما قال للمؤمنين باسمه من خلال التلاميذ”ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء”(لو9: 1). كيف بعد هذا نخاف من أي شيء مادمنا متمسكين بالمسيح الذي هو فوق كل رياسة وسلطان؟! كيف ننسى سلطاننا على الأرواح النجسة مادمنا متمسكين بعمل الروح القدس فينا ليمنحنا القداسة، وكيف نجزع من العالم بكل سلاطينه المرئية وغير المرئية مادام الله معنا، فإن كان الله معنا، فمن علينا؟!.إن مجرد اسم يسوع المسيح يرعب الشياطين ويطردها، فهل اختبرنا قوة هذا الاسم الحسن الذي للرب؟!. لذلك انطلاقا مما سبق، نفهم ما قاله القديس بولس الرسول”أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني”(في4: 13).

  ليس هذا فقط بل نرى ما يمنحه لنا الرب معه في الدهر الآتي،فيقول لتلاميذه  ولنا فيهم”أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي، وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتا، لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر”(لو22: 29، 30). بل وأكثر من هذا يظهر لنا الوحي على لسان معلمنا بولس الرسول قائلا:”ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة؟!”(1كو6: 3). طبعا يقصد الملائكة الذين سقطوا وصاروا شياطين.

  مرة أخرى هذا قبس من فيض لما نلناه بصعود ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي له كل المجد والكرامة والعزة من الآن وإلى الأبد آمين.  

 

Skills

Posted on

June 12, 2019

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This