ونعطى ابنا

,
ونعطى ابنا

Francisco de Zurbarán, Lamb of God, Prado Museum, c. 1635-1640


+ من الذي أعطانا؟!:

هو الله بلا شك. فهكذا أحب الله العالم فأرسل وبذل ابنه الأزلي الأبدي وحيده الحبيب، عقله وكلمته وحكمته وقوته الخالقة ونورالآب. وبمحبة أبدية أحبنا الآب فأدام لنا رحمته(ابنه). فالمسيح له المجد هو ابن الله بالطبيعة والجوهر، أعطاه لنا الآب ليكون فينا ويتحد ببشريتنا اتحادا أبديا لا ينفصم، وهو دائم لا يقرب منه الزمن. وقد أظهر الرب يسوع المسيح لنا هذه الديمومة التي له فينا هكذا:”ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر”(مت 28: 20) وأيضا في صلاته الشفاعية للآب أعلن هذا:”أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكملين إلى واحد وليعلم العالم أنك أرسلتني وأحببتهم كما أحببتني”(يو17: 21).

هل تتذكروا ياأحباء الرب، كيف قدم ابراهيم ابنه اسحق الوحيد الحبيبب محرقة للرب دون تردد في طاعة كاملة لله وطاعة كاملة من اسحق لأبيه دون اعتراض أو مقاومة؟! ولما رأى الرب ذلك منع ابراهيم أن يمد يده إلى ابنه وأعاده حيا سالما له. وأقسم بذاته أن يبارك ابراهيم وتتبارك بنسله(المسيح) كل قبائل الأرض. وكان اسحق رمزا للسيد المسيح الذي بطاعته للآب بذل نفسه بالإخلاء، فتجسد وتأنس وولد في مذود حقير وأخذ صورة عبد غاسلا أرجل البشرية ممثلة في تلاميذه، ثم أسلم نفسه للموت بإرادته ليفدي البشرية، ثم قام ناقضا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه لأنه هو الحياة. لقد أحب الله ابراهيم أولا، فبادله ابراهيم الحب بالحب، فرد الله هذا الحب مرة أخرى لكل من أتوا بعد ابراهيم بأن أعطى ابنه الفادي لآدم ولكل ذريته، كل من يؤمن ويقبل.

والعجب أن الرب أعطانا ابنه ليصير ابنا لنا. ولذلك دعي اسمه عجيبا، فنسمعه يتكلم عن نفسه ملقبا ذاته بابن الله، وأيضا يدعو نفسه ابن الإنسان. وهذه هي المضاده الإلهية التي جمعها يسوع المسيح له كل المجد في شخصه، فهو ابن الله بالجوهر والطبيعة منذ الأزل، له وفيه كل ما لله، وهو في النفس الوقت ابن الإنسان بالتجسد من السيدة العذراء مريم، له وفيه كل ما للإنسان ما خلا الخطيئة وحدها. فهو طبيعة واحدة من طبيعتين متحدتين كاتحاد النار بالحديد كما شبّه هذا القديس كيرلس الكبير. فنراه يصنع المعجزات الباهرات وفي نفس الوقت يجوع ويتعب وينام ويموت ولكنه قام بقوة لاهوته. لقد أعطانا الاب ابنه متجسدا لنراه بعيوننا ونلمسه بأيدينا ونسمعه بأذاننا، نعايشه ويعايشنا يقاسمنا أفراحنا واتراحنا، وصار وسطنا مجربا في كل شيء مثلنا ليقدر أن يعين المجربين. وهو لم يمض إلى أبيه ليتركنا يتامى، بل أرسل الروح القدس ليحل فينا ويمكث معنا يأخذ مما له ويخبرنا ويعزينا. وأيضا المسيح الابن المعطى لنا بعدما مات من أجل خلاصنا وقام ليبررنا، سر بأن يترك لنا جسده ودمه على المذبح لكي بعمل الروح القدس في سر الإفخاريستيا نأكل ونشرب سر الغفران والحياة ويثبت فينا ونحن نثبت فيه .

+ هل قبلنا عطية الله؟!:

حينما قال الرب للسامرية:”لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حيا”(يو4: 10)، كان المسيح في هذا القول يشير إلى شخصه، فهو الابن المعطى للبشرية من قبل الآب، ليروينا ماء الحياة بعد أن يغفر خطايانا بسفك دمه على الصليب، فنحيا وننفلت من الموت الأبدي. أما السامرية التي كانت تمثل البشرية الساقطة فكان لابد لها أن تقر وتعترف بوضعها الساقط والمائت بالخطية وتتوب، ثم تقبل شخص المسيح الابن وتترك جرتها التي جرتها لماء العطش في حياتها القديمة، وبإيمانها بالمخلص أنه هو المسيا تغيرت لتتحول من امرأة خاطئة إلى كارزة باسم المسيح ابن الله، عطية الآب لنا انطلاقا من حبه الغير محدود للإنسان.

لقد أعطينا ابن الله ليكون فينا، فهل أعطيناه القلب والحياة التي اشتراها بدمه؟!،”لستم لأنفسكم لأنكم قد اشتريتم بثمن”(1كو6: 19، 20). لم يطلب الرب منا أي ثمن مقابل حبه الذي يفوق كل الأثمان. فقط هو يطلب منا أن نقبل حبه وملكه على حياتنا ليس لنكون عبيدا بل لنشاركه مجده ويحررنا لنكون أبناء حقيقيين له، فقد قبل أن يتبنانا خلال ابنه الوحيد يسوع المسيح حينما نقبله بالإيمان به ونعتمد باسمه فنلبسه لنقوم معه في جدة الحياة نسلك كما سلك هو وسطنا، ونعيش بحسب كلمته المحيية”واما الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه”(يو1: 12) .

ثم هل قبلنا فكر الابن الإلهي؟! فبولس الرسول يقرر أننا كمؤمنين لنا فكر المسيح. ولكي نقبل فكر المسيح فليس لنا طريق إلا بفتح أذهاننا لكلمته في الكتاب المقدس والخضوع والطاعة لوصاياه كل يوم، حينئذ نتغير لصورة الرب”ونحن ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح”(2كو3: 18). ولنعلم أن الفكر هو أول مدخل للشيطان نحو الإنسان، ولكن إذا كان العقل مشحونا بفكر المسيح فلن يكون للشيطان وأفكاره وأكاذيبه وغوايته لنا فينا مكان، ولقد أعلن السيد المسيح هذا أمام العالم لأنه ابن الله وله ما للآب فقال:”رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شيء”(يو14: 30).

أخيرا نقول أن الإنسان بعدما يؤمن بابن الله ويعتمد باسم الثالوث القدوس ويعيش في حياة التوبة والطاعة لشخصه الحبيب، ثم الثبوت في ابن الله بالتناول من جسده ودمه ليحيا به ولكي يكون فيه، فيكون بذلك في حالة قبول لعطية الآب له، يسوع المسيح المخلص.

 

Skills

Posted on

January 4, 2017

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This