ياامرأة،هوذا ابنك:
يقول الكتاب أن أدم الأول سمى امرأته“حواء لأنها أم كل حي”(تك3: 20). فصارت حواء الأولى أم كل انسان يأتي على الأرض من بعدها. ولكن سقط آدم وحواء وخرجا، باختيارهما، من الجنة فصارا في الموت بالخطية والتعدي على وصية الرب، وبالتالي صرنا بحواء الأولى خارج نطاق الحياة الأبدية مع الله، ولم تعد بعد حواء الأولى أم كل حي بل أم كل ميت.
ولكن بتجسد الكلمة الأزلي من العذراء وبحلول الروح القدس في أحشائها، ولد آدم الجديد من الروح القدس ومن مريم العذراء، ليس بزرع بشر، بل أن المولود من الآب قبل كل الدهور، ولد من العذراء بعد تقديس أحشائها بالروح القدس لنولد منها فيه، خليقة جديدة، ولنصير بالتبعية أبناء للعذراء مريم،حواء الجديدة” وأخوة للبكر المسيح. فالمسيح سمي أبن الله لآنه مساو لأبيه في الجوهر، وهو نور مولود من النور، وقال صراحة أنا في الاب والآب في “الذي رآني فقد رأى الآب”(يو14: 9)، كما أن السيد المسيح سمي أيضا ابن الإنسان، لأنه اتحد بإنسانيتنا، نفسا وروحا وجسدا، وهذه الإنسانية التي له أخذها من جسد العذراء، ليس بالتناسل البشري،بل بالروح القدس. لذلك حينما يقول الملاك جبرائيل للسيدة العذراء” القدوس المولود منك يدعى ابن الله”(لو1: 35)، فلنا في ذلك نصيب، أننا يميلاد الرب منها آخذا بشريتنا، نكون قد ولدنا فيه جديدا. ثم كل من يقبل المسيح ويؤمن به ويعتمد على اسمه للآب بالروح القدس، يصير ابنا لله”وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه”(يو1: 12). والإيمان باسمه، يشمل اسم الرب يسوع، ابن الله، وابن الإنسان بآن واحد.
من هنا، وبحسب تفسير الآباء، أنه حينما قال السيد المسيح وهو على الصليب لأمه عن يوحنا الحبيب” ياامرأة هوذا ابنك، فقد قرر أنها حواء الجديدة أم كل حي به، وأن يوحنا، الذي كان يسوع يحبه هو يمثل كل البشرية التي أحبها الآب وأعلن هذا الحب الابن بتجسده وموته على الصليب، وحلول الروح القدس على كل من يقبل ويؤمن ويعتمد ليخلص.”لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”(يو3: 16).
ايتها العذراء الطاهرة، لقد صرت– في يوحنا الحبيب– ابنا لك، وذلكبفم المسيح على الصليب، فليس بغريب أن أناديك، ياعذراء ياأمي. اننا بفم المسيح له المجد صرنا في بنوية قانونية لك بحسب السماء، فليس غريب أن نطلب منك لتشفعي عن وتصلي لأجلنا عند ابنك الحبيب يسوع المسيح بكرك وكبيرنا. أنت مقربة ومكرمة جدا لديه، ألم يأمرنا” أكرم أباك وأمك”(تث5: 16)، لذلك نفرح يتكريمك نحن أيضا في صلواتنا وتسبيحاتنا، فقد سمع لشفاعتك في عرس قانا الجليل وجعلته باستثناء يخرج عن ترتيب ساعته التي لم تكن قد أتت بعد، وهو الذي من خلف دمائه ودموعه وألامه المبرحة على الصليب وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، أوصى المحبوب يوحنا للاهتمام بك.
هوذا أمك:
تعالوا ياكل الأبناء والبنات الذين حرموا من أم جسدية في هذا العالم وحرموا من حنان الأمومة الطبيعية، تعالوا بلا مانع لتقبلوا–في المسيح– أمه العذرء القديسة مريم أما لكم، تغالوا لتذوقواأمومتها الحقيقية لكم. تعالوا جميعا ننهل من حب وعطاء العذراء وحنانها تجاهنا، لأن في كل واحد منا، نحن المؤمنين، ترى فيهابنها يسوع المسيح. ألم يقل بولس الرسول بلسان كل ابن للمسيح”فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في”(غل2: 20). فكما أن الآب ينظر إلينا من خلال المسيح كأبناء له، كذلك أمنا العذراء تنظر إالينا في ابنها يسوع المسيح كأبناء لها.
لقد انفتح الباب أمامنا على مصراعيه لنجد هذا الحب الأبوي من الآب، وحب الأم من أمنا العذراء مريم، وكما أوصانا الرب حينما نصلي أن ندعو الله أبانا، أيضا صار لنا بالمسيح أن ندعو أمه العذراء مريم أمنا. لقد عاشت العذراء في أرض الشقاء وذاقت مع ابنها كل معاناتنا كبشر في العالم، وجاز في نفسها سيف حينما رأت ابنها يتمزق يالألم على الصليب وذاق مرارة الموت أمام عينيها، كما رأت أيضا قوة قيامته من الأموات وغلبته على الموت، وفرحت بنصرته على الموت والعالم والخطية، وعاينت صعوده ليجلس عن يمين الآب. وهي الآن كأم الملك تجلس عن يمين ابنها في المجد”جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير”(مز45: 9). لقد قام سليمان الملك عن كرسيه لملاقاة أمه “وجلس على كرسيه ووضع كرسيا لأم الملك فجلست عن يمينه”(1مل2: 19). فهي تعلم كم لدى ابنها الحبيب من إمكانيات إلهية غير محدودة وتعرف كم تألم من أجلنا وكيف غلب وانتصر لنا، لذلك لا نتردد في سؤالها لتتشفع وتطلب وتصلي ليمنحنا الرب ما تسأله من أجلنا.
ياأحباء الرب فلننعم بشفاعتها وصلواتها في احتياجاتنا وضيقاتنا. وكما أعانت الذين كانوا في ورطة بعرس قانا الجليل واستجاب لها ابنها يسوع المسيح، رغم صعوبة ما طلبت لأن ساعته لم تكن قد أتت بعد، ولكنها هي أمه وهي أيضا أمنا. فكم هو سرورنا بأمومتها الحانية الفاعلة والمعينة، وكم نحن محظوظون لسماع الرب لها واستجابة طلباتها من أجل ضعفنا واحتياجاتنا، وما أروع أن يسمع كل واحد فينا من فم الرب عن العذراء القديسة مريم:هوذا أمك.