سنة الرب المقبولة

,
سنة الرب المقبولة

سنة الرب المقبولة

+ نادى بها الرب:

  يليق بنا ياأحبائي وقد بدأنا سنة ميلادية جديدة، أن نتأمل سويا في معنى سنة الرب المقبولة. انها نبوة صريحة عن السيد المسيح الذي سيرسله الآب إلى العالم لفرط حبه، ليعلن عن هذه السنة المباركة. فهكذا ذكر إشعياء النبي قائلا:”روح السيد الرب علي لأن الرب مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق، لأنادي بسنة مقبولة للرب”(إش61 :1 ،2).

  وبرجعة إلى سفر اللاويين نسمع عن سنة اليوبيل”يوبيلا تكون لكم السنة الخمسونمقدسة تكون لكموتنادون بالعتق في الأرض لجميع سكانها “(لا25: 11 ،12 ،10). هنا يظهر كيف أن السيد المسيح جاء ليعتق الذين هم في أسر إبليس والخطية والموت. إنها سنة الغفران والسماح والبراءة للمديونين، سنة للمساكين بالروح والذين قد سقطوا تحت أنفسهم من كثرة صغر النفس وتعاظم الضعف البشري أمام قوى الموت والشيطان. ألا تتذكر معي ياقارئي العزيز تلك المرأة التي شفاها السيد المسيح من ضعفها؟!، يقول معلمنا لوقا:”وإذا إمرأة كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة وكانت منحنية ولم تقدر أن تنتصب البتة، فلما رآها يسوع دعاها وقال لها يإمرأة إنك محلولة من ضعفك، ووضع عليها يديه ففي الحال استقامت ومجدت الله”(لو13: 11 ،12)، ولما اعترض البعض على شفائها في السبت أشار الرب إلى أنها كانت مربوطة من الشيطان”وهذه وهي إبنة ابراهيم قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة أما كان ينبغي أن تحل من هذا الرباط في يوم السبت”(لو13: 16). نلاحظ هنا تحقيق النبوة في شخص السيد المسيح ألذي عتق هذه المسكينة من عبودية وتسلط الشيطان عليها، وهكذا بقوته أطلقها من أسرها في سجن إبليس، ناظرا فيها البشرية كلها التي سيعتقها من وثاق الشيطان والموت.

  إن الله اليوم مازال ينادي بسنة الرب المقبولة التي فيها يبشرنا في مسكنتنا لنفرح بخلاصه. وها يده ممتدة إلى قلوبنا التي كسرتها الخطية وحطمها اليأس، ليعصب ويداوي بل إن لزم الأمر فهو مستعد أن يخلق فينا قلبا جديدا نقيا يملأه الفرح والسلام والطمأنينة. إنه هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد بقوته وغناه الذي لا يستقصى، يقدر أن يعتقنا من إدمان الخطية بأنواعها مهما طالت مدة الأسر، فمازال يعمل حتى الآن وأبوه السماوي أيضا يعمل”أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل”(يو5: 17). فقط علينا أن نترك له الأمر بتسليم كامل وإرادة حاضرة لا نرفض عمله فينا”لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة”(في2: 13) ثم بعد ذلك أن نطيع وصاياه التي سيعيننا لكي نعملها.

  هلم معا نتعاهد أمام الله أن تكون هذه السنة الجديدة سنة مقبولة لديه، نترك أشرعة سفينة حياتنا لروحه القدوس ليوجهنا بحسب إنجيله، ويوجهنا في رحلة الفكاك والعتق من التمرغ في وحل الخطايا والرعي مع الخنازير في كورة الشيطان البعيدة، فمازالت سنة الرب المقبولة فيها متسع للرجوع والتوبة مادام اليوم يدعى اليوم، ومادام الرب أعطانا فرصة جديدة وسنة جديدة في عمرنا على هذه الأرض. فلنطرح أنفسنا أمامه في صلاة مفتوحة بتوبة حقيقية ولسان حال كل منا ما قاله الإبن التائب المرتمي في أحضان أبيه السماوي”ياأبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقا بعد أن أدعى لك ابنا”(لو15: 21).

+ سنة الأبدية:

  ثم ماذا يريد الرب منا أيضا في سنة الرب المقبولة؟!، إننا ياأحبائي نقرأ في بشارة معلمنا مارمرقس عن السيد المسيح في بدء كرازته يقول”قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل”(مر1: 15). من هذه الآية يتضح لنا أن الرب يتكلم عن زمان قد كمل، أي انتهى وقته ليبدأ زمان آخر. إن بداية زمن المسيح له المجد قسم الزمان إلى زمانين والعهد إلى عهدين، وأصبح ما قبل المسيح هو زمن الإنسان بسنينه وشهوره وأيامه وساعاته ودقائقه وثوانيه، بل بمحدوديته وأسره للإنسان تحت جبروت العتيق الذي به طوى تحت السنين أجيالا وأجيال، فزمن الإنسان والموت صنوان لا يفترقان. ولعلنا نسمي ما قبل المسيح ومنذ سقوط آدم إلى تجسد الكلمة، نقدر أن نطلق على هذه الفترة سنة الإنسان المرفوضة أو الضائعة في الهاوية، لتأتي سنة الرب المقبولة والتي ربطها السيد المسيح بالملكوت الأبدي والحياة مع الله خارج أسر الزمن. إذن فسنة الرب المقبولة هي التي يعيشها الإنسان منذ تجسد الرب وإلى الأبد. من هنا نعرف أننا إن عشنا مع الرب زماننا المحدود على الأرض، فإننا نحوله إلى زمن الرب أو سنة الرب المقبولة، فكل صلاة من القلب تدخلنا إلى زمن الرب الأبدي، وكل عطاء وكل حب للرب وللآخرين من أجله يدخلنا فورا في مجال سنة الرب المقبولة، وكل قراءة في الكتاب المقدس والتأمل في آياته والحياة بها ينقلنا من عهد قديم يملكه الزمان الحاضر والموت إلى حضرة الله الذي فيه الحياة الأبدية. أتصدق ياعزيزي أن كأس ماء تقدمه بحب لإنسان مسكين عطشان من أجل الرب يمكنه أن ينقلك إلى جماعة الوارثين للحياة الأبدية (سنة الرب المقبولة)”ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يامباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم، لأني جعت فأطعمتموني عطشت فسقيتمونيفيمضي الأبرار إلى حياة أبدية”(مت25: 34 إلخ).

+ فلنكن حكماء:

  إن كنا قد عرفنا أننا نعيش الآن سنة الرب المقبولة، فلنستيقظ من غفلتنا وننتبه فالرب ينادي ويمد يده، وخلاصه معد لكل من يقبله ليفكه من الأسر وليطلقه من السجن ويحرره ويطهره ويعطيه كل ما للبنين، ولكن لنسمع هذا الإنذار” أليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم”(عب4: 7)“فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته يرى أحد منكم أنه قد خاب منه”(عب4: 1). لقد مرت علينا سنوات كثيرة ضاعت هباء وخرجت من نطاق سنة الرب المقبولة، قد يكون لسبب عدم الإيمان، أو للجري وراء الجسد والإنسان العتيق بشهواته الغبية، أو لمحبة المال أو الناس أكثر من الله، أو بسبب بغضة وكراهية تملكت من القلب وأنهت على كل عمل للنعمة فيه. إن اكتشفت ياعزيزي أي شيء من هذا في حياتك أو أي شيء آخر أخرجك من دائرة زمن الله فاسمع قول الكتاب”فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة”(أف5: 15 ،16) وافتداء الوقت هو اليقظة الحقيقية كما يوجهنا لها الروح على لسان القديس بولس الرسول منبها”انها ساعة لنستيقظ من النوم، فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا. قد تناهى الليل وتقارب النهار فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور، لنسلك بلياقة كما في النهار لا بالبطر والسكر لا بالمضاجع والعهر لا بالخصام والحسد، بل البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات”(رو13: 11 14).  

  والحكمة تعلمنا أيضا أن سنة الرب المقبولة هي زمن القيامة الأولى التي نعيشها مع الرب الآن والتي فيها ليس سلطانللخطية علينا”مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى هؤلاء ليس للموت الثاني سلطان عليهم”(رؤ20: 6). فإن سقطنا نتوب ونرجع سريعا ونعترف بخطايانا”وإن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم”(1يو1: 9). ثم اننا بتناولنا جسد الرب ودمه نأخذ غفرانا لخطايانا وحياة أبدية لنا. حينئذ ستتحول فينا بشرى الرب بسنته المقبولة إلى قوة كرازة بالذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب”فإنكم كلما أكلتم من هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء”(1كو11: 26). هنا يلذ لنا أن نصرخ مع داود النبي في دعوة للجميع”ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب”(مز34: 8) .

 

Skills

Posted on

January 26, 2020

1 Comment

  1. Mohammad Abdeen

    God bless you

    Reply

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This