أبعد الي العمق

,
أبعد الي العمق

+ السطحية:

مشكلة هذا الجيل في نواحي كثيرة من حياته هي السطحية في أمور تخص الفكر وبالتالي السلوك والأخلاق وطرق التعامل مع الآخر والنفس بآن واحد، وبالتالي ينعكس هذا على التعامل مع الغير منظور والبعد النفسي والروحي في الإنسان.
ولعل هذه المشكلة تولدت من أسلوب الحياة التي تحكمها التكنولوجيا العالية والمتسارعة في تقديم كل شيء بطريقة سهلة ومتاحة في نفس الوقت. فأدوات وأجهزة التواصل الاجتماعي تسابق الزمن وجعلت الناس ترتبط ارتباطا أساسيا في حياتها اليومية بهذا النظام الإلكتروني الهائل ليجعل المعلومات على أي مستوى في متناولك بضغطة أصبع، كما جمعت دون عناء العالم كله في جهاز بحجم قبضة اليد، واصبحت الأخبار والمعرفة لا تحتاج كثيرا أن نعمل العقل للوصول إليها، أو بمعنى آخر أصبحت كل أمورنا تعمل لنا على مستوى الوجبات السريعة.
هذه المنظومة الحياتية ألقت بظلها السلبي في شخصياتنا وسلوكنا حيث أخرت كثيرا المقدرة على التفكير العميق والمقارنة والتحليل والدخول إلى أعماق الأمور، بل أصبحنا مجرد متلقين على مستوى المشاهدة والسمع دون الدخول إلى حوار حي بيننا، وهذا أدى إلى تدني المستوى اللغوي على كافة الأصعدة في العالم. وبالكاد نسمع الآن عن كاتب كشكسبير أو طه حسين أو العقاد أو جبران خليل جبران. حتى خريجي الجامعات أصبحوا في تدني التعبير اللغوي والحضاري والإنساني.
وللأسف دخلت إلينا هذه المشكلة على مستوانا كأولاد الله في هذا العالم، فبدلا من أن نكون نورا للعام بعمق المعرفة عن الله والناس والعالم وأنفسنا وحتى عن أعماق وفكر الشيطان” لأننا لا نجهل أفكاره”، إلا أننا أصبحنا نكتفي بما يصل إلينا من هنا وهناك عبر أدوات التواصل الاجتماعي، فنجري أحيانا وراء خرافات مصنعة أو ننجذب لأفكار بعيدة عن الحق، أو نستعبد لخطايا بالسمع والنظر فنجد أنفسنا خارج دائرة النور الإلهي والحياة الأبدية التي دعينا إليها. وهنا يحذرنا بولس الرسول قأئلا”لا تسلكوا فيما بعد كما يسلك سائر الأمم أيضا ببطل ذهنهم، إذ هم مظلمو الفكر، ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم”(أف4: 17، 18).

+ ألعمق:

أحباء الرب تلك السطحية التي تناولنا بعضا من أسبابها ونتائجها لن تقودنا إلا إلى الفقر والعوز وعدم الشبع. لقد لخص هذا المعنى بطرس الرسول حينما قضى الليل كله مع رفاق المهنة في الصيد بالقرب من الشاطيء حيث السطحية في معناها الروحي، ولكن لما قال الرب لسمعان بطرس”أبعد إلى العمق والقوا شباككم للصيد، فأجاب سمعان: يامعلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئا ولكن على كلمتك ألقي الشبكة…ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكا كثيرا جدا فصارت شباكهم تتخرق”(لو4:4- 6). لقد آن الوقت بأن ندخل إلى عمق الصلاة لنتصل بالرب، ليس كمجرد أداء فرائض بل من القلب وبالذهن نصلي مزاميرنا ونقدم طلباتنا ونتحد بقلب الله في صلاة حقيقية، فنجد أننا نطلب ونتضرع من أجل العالم كله بمن فيه وما فيه. وفي قداساتنا نأتي إلى الكنيسة لنتقدس بالتوبة والصلاة وذبيحة الرب التي على المذبح في سر الأفخاريستيا، فنخرج ونحن مبررون وفرحون ببهجة خلاصه، فنبشر بموته ونعترف بقيامته وندعو الجميع، تعالو ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب. أما عن كلمة الحياة في الكتاب المقدس، فلندخل إلى أعماق الكلمة قارنين الروحيات بالروحيات. لا نكتفي بمجرد القراءة لتسكين الضمير أو على سبيل البركة، بل نأكل الكلمة أكلا فنفرح بأعماق الروح فيها. وهنا ننصح بالقراءة في الكتاب المقدس المطبوع ذي الشواهد الجانبية، ولتكن أقلامنا في يدينا نخطط ونكتب تأملاتنا ونضع علامات الاستفهام على ما لا نفهمه لنسأل ونبحث ونعرف لنعيش ونتهلل وننمو.
عطاؤنا فليكن للرب على كل المستويات، للفقير وللكنيسة وللخدمة وللمحتاجين، وليكن في الخفاء على قدر طاقتنا ، وإن كشف دون قصد فليكن قلبنا ولساننا يعلنان لنا ولغيرنا أن”منك الجميع ومن يدك أعطيناك”.
كذلك توبتنا لا نؤجلها ولا نتهاون فيها، فبمجرد سقوطنا في أي خطية أو كسر للوصية نقدم توبة فورية لله بالاعتراف للرب وقرع الصدر والسجود أمامه لطلب الغفران والرحمة، على أن نقدم هذا الاعتراف أمام أب الاعتراف في أقرب فرصة لأخذ الحل مع المشورة المناسبة لمسيرتتنا الروحية تجاه الوطن السعيد في الأبدية.
أما صومنا فليس أعظم من كلام الرب عنه، بأن يقدم كذبيحة حب لله الآب من خلال ذبيحة ابنه يسوع المسيح الذي لبسناه في المعموية، وأن يكون من القلب وليس من الخارج لنظهر أننا صائمون فنجني مدح الناس. وأيضا في هذا الأمر ليس هناك أفضل من قراءة (إشعياء 58).
أخيرا امحبة فلتكن مقلب طاهر وبشدة لله للناس جميعا. فالمحبة لا تسقط أيدا.

 

Skills

Posted on

July 7, 2018

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This