رجوع للحياة

,
رجوع للحياة

طريق الموت:

  قيل في إنجيل معلمنا يوحنا البشير عن المسيح له المجد:”فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس”(يو1: 4)، وحينما ينحرف الإنسان عن وصايا الله وكلمته فهو يسير في الطريق المنحدر نحو الموت، فالمسيح هو كلمة الله وهو مصدر الحياة وحافظها. ولنا المثل في أهل نينوى الذين زاغوا بناموسهم الطبيعي عن الله لعمل الشر وكل أمر رديء“لأنه الأمم الذين ليس عندهم الناموس، متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس، فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم”(رو2: 14). لقد أمهلهم الرب ليرجعوا عن طريقهم المؤدي للهلاك والموت، وظهر هذا حينما أعلن الله ليونان النبي أن شرهم ازداد جدا فقال له:”قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي”(يون1: 2). وكانت المناداة التى أوصى الرب بها يونان هي:”بعد اربعين يوما تنقلب نينوى”(يون1: 4). فما أحن قلب الرب حتى على أعتى الأشرار، فإنه يمهل ثم يحذر  ويعطي فرصة تلو الأخرى لعل الخاطىء يرعوي ويرجع عن طريق الموت الذي ينحدر إليه، فيحيا ولا يموت”هل مسرة أسر بموت الشرير يقول السيد الرب إلا برجوعه عن طرقه فيحيا”(حز18: 23).

  ياأحباء الرب، إلهنا حلو وصالح ومحب للبشر. ويعطينا دائما أن نختار، فهو يحترم حريتنا جدا لكي نقرر بأنفسنا الطريق التينسلكها. إنه يسدي لنا النصيحة النابعة من قلبه المحب لحياتنا وخلاصنا وليس موتنا”أشهد عليكم اليوم السماء والأرض، قد جعلت قدامك الحياة والموت البركة واللعنة فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك”(تث30: 19). كثير منا يسبر في طريق نينوى سواء كان بقصد أو بغيبة من العقل الروحي، إنه طريق البعد عن الرب، والبعد عنه هو الشرود عن الحياة، فنواجه الموت. وللأسف أحيانا نظن أنفسنا أننا أحياء لمجرد قيامنا بأمور الحياة اليومية من أكل وشرب وعمل وحياة اجتماعية بل وقٌد نكون مشاركين في الجو الديني لإضفاء نوعا من (الشياكة) في مسيرتنا، ولكن مع هذا كله فليس لنا علاقة شخصية وارتباط حقيقي من القلب والنفس والروح برب الحياة مسيحنا الفادي فينطبق علينا قول الكتاب”أنا عارف أعمالك أن لك اسما أنك حي وأنت ميت”(رؤ3: 1). فلننتبه لانه حتما سنلتقي يونان في طريقنا مرسلا من الله ليحذرنا، أنه قد تنقلب مدينة حياتنا بل أن الرب بنفسه نبه الأجيال بقوله”إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون”(لو13: 3).

  قارئي العزيز ألم يحن الوقت أن تختار معي الحياة فنحيا؟! يكفينا الزمان الذي مضى من العمر ونحن نركض في طريق الموت”لأن زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد عملنا إرادة الأمم سالكين في الدعارة والشهوات وإدمان الخمر والبطر والمنادمات”(1بط4:3)،ونعود لحضن الآب بتوبة صادقة لنسمع منه أمرا بالحياة مرة أخرى”ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد”(لو15: 24).

نينوى العظيمة:

  حينما دعا الرب يونان النبي ليذهب إلى نينوى قال له:”قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي”(يون1: 2)، كان قد رأى الله عظمة هذه المدينة في شرها العظيم حتى أنه تنامى جدا فصعد أمامه، ولكن أيضا رأى الله الحنان الرحومعظم ومقدار التوبة الكامنة في ملكها وشعبها العظيم، لذلك أصر الرب على خلاصهم. لقد حاصر الله يونان النبي حينما رفض في قلبه أن يذهب لأولئك الأمميين البعيدين عن رعوية اسرائيل لينذرهم فيعودوا بتوبة تجعل الله يرجع عن حمو غضبه فلا يهلكوا، ومع هذا كان قرار الرب هو خلاصهم بعد إظهار عظم توبتهم. لذلك أعلن يونان عن ما بداخله في حواره مع الله بعد توبة الملك والشعب، بقوله:”آه يارب، أليس هذا كلامي إذ كنت بعد في أرضي؟!، لذلك بادرت بالهرب إلى ترشيش لأني علمت أنك رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر”(يون4: 2).

  ياأحباء الرب، مهما كانت خطيانا وتعدياتنا عظيمة فتأكدوا أن الرب ينظر لطاقة التوبة التي داخلنا منتظرا لحظة أن نرجع بقلوبنا إليه فيصفح ويغفر ويغسل ويبيض ثيابنا التي تلوثت بقذر الخطية والتعدي. هذا ما حدث مع أهل نبنوى وملكها حينما آمنوا بمناداة يونان وبقيادة ملكهم العظيم قدموا توبة عظيمة بطقس عال في النسك والتذلل أمام الله“فقام الملك عن كرسيه وخلع رداءه عنه وجلس على الرماد، ونودي وقيل في نينوى عن أمر الملك وعظمائه قائلا لا تذق الناس ولا البهائم ولا البقر ولا الغنم شيئا. لا ترع ولا تشرب ماء وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا إلى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم لعل الله يعود ويندم وبرجع عن حمو غضبه فلا نهلك (يون3: 5-8).

  كل نفس فينا أمام الله هي المدينة العظيمة التي افتداها بدم ابنه الوحيد يسوع المسيح، وهو يتعامل مع كل واحد منا على حدة، وعلى حد قول القديس أغسطينوس للرب:”مالي أراك تشخص إليّ بجهد جهيد، وكأنه لا يوجد في الخليقة سواي” ألم يذكر هذا إشعياء النبي عن الرب يقول :لا تخف لأني فديتك، دعوتك باسمك. أنت لي”(إش43: 1). هكذا رأى الرب في شاول الطرسوسي تلك المدينة العظيمة، وبعدما كان شاول “ينفث تهددا وقتلا على تلاميذ الرب”(أ‘9: 1)، التقاه يسوع الحنان عبر طريقه إلى دمشق بنوره الإلهي”فسقط على الأرض وسمع صوتا قائلا: شاول شاول لماذا تضطهدني؟!”(أع9: 4). وللتو خضع بتوبة عظيمة قائلا”يارب ماذا تريد أن أفعل؟!”(أع9: 6). ورغم كل شر شاول إلا أن الرب كان يرى فيه شيئا آخر قاله لحنانيا في الرؤيا”هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني اسرائيل”(أع9: 15). وتحول شاول الأرهابي ليصير بولس الكارز العظيم.

هكذا أيضا رأينا في موسى الأسود كيف كان عابدا للشمس وقاتلا وسارقا وزانيا ورئيسا لعصابة من اللصوص، ومع هذا الشر العظيم كان الرب يرى فيه قلبا عظيما في التوبة، فذهب للقديس ايسذوروس ليقدم توبة قوية ويعتمد ويترهب ويصير فيما بعد أبا لجماعة كبيرة من الرهبان، وينتهي به الأمر على الأرض بأن يقدم نفسه ويستشهد من أجل المسيح. والأمثلة لا تحصى في القديم والحديث، ولكن االحديث لنا اليوم ألم يحن الوقت لتوبة عظيمة وانطلافة عظيمة في درب الرب؟!.

 

Skills

Posted on

February 5, 2020

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This