نزول لصعود

,
نزول لصعود


+ النزول العظيم:

حاول الإنسان – في آدم وحواء – أن يصعد إلى الله ليكون مثله لما انقادا لغواية الشيطان حينما قال”لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر”(تك3:4، 5).وكانت النتيجة سقوط إلى المعصية والتعدي والنزول للموت. وفي نزول الإنسان وسقوطه كان في أعماقه الشوق إلى الصعود مرة أخرى، فنرى الناس يحاولون ذلك، فاتفقوا على عمل برج عال”وقالوا هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء ونصنع لأنفسنا اسما لئلا نتبدد على وجه كل الأرض”(تك11: 4). وهنا رأينا كيف نزل الله إليهم ليبدد مشورتهم القاصرة والمحدودة،”وقال الرب…هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض، فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض، فكفوا عن بنيان المدينة”(تك11: 7،8)، لأن الرب كان قد دبر للإنسان خلاصا حقيقيا للصعود إلى السماء بعد غلبة الشيطان بنسل المرأة الذي يسحق رأس الحية الذي قال لها الرب”أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه”(تك3: 15).

ولقد كان الرب يمهد البشرية لنزوله العظيم في ملء الزمان في العهد الجديد، ليصعدهم إليه، فنسمع الله يكلم موسى بخصوص شعب اسرائيل وهم في عبودية فرعون، والذي كان يمثل عبودية الإنسان لقبضة الشيطان والموت، قائلا”إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مسخريهم . إني علمت أوجاعهم فنزلت لإنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة”(خر3: 7، 8).

إن الإنسان منذ القديم كان يشتاق لنزول الرب إليه ليصعده من هاوية الموت والهلاك للصعود به إلى الأحضان الإلهية فصرخ داود”يارب طاطيء سمواتك وانزل المس الجبال فتدخن”(مز144: 5). واننا نشكر الله العظيم في محبته وتدبيره العالي لخلاصنا، “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية”(يو3: 16). وكلف هذا الحب ابن الله أن يخلي نفسه من مجد اللاهوت وأن يأخذ صورة العبد بعدما نزل إلى ذلنا ليتجسد ويتأنس من الروح القدس ومن العذراء القديسة مريم، ويشابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، ثم أطاع حتى الموت موت الصليب بعدما قبل من يد الآب ،الذي أحبنا، أن يضع عليه ،وهو القدوس الذي بلا خطية، كل خطايا العالم منذ آدم وإلى نهاية الدهور. وبهذا استطاع أن يموت، لأن أجرة الخطية هي موت، ولكن لأنه هو ابن الله الذي بلا خطية وفيه كانت الحياة، فلم يكن ممكنا أن يمسك من الموت، فقام من الأموات في اليوم الثالث، ناقضا أوجاع الموت. نعم كان هذا النزول الإلهي العظيم الذي تممه بأن”نزل إلى أقسام الأرض السفلى”(أف4: 9). ليصعد بسبيه العظيم لأنفس الذين كانوا أسرى الرجاء وذلك ما تنبأ عنه زكريا النبي”وأنت أيضا فإني بدم عهدك قد أطلقت أسرك من الجب الذي ليس فيه ماء، ارجعوا إلى الحصن ياأسرى الرجاء”(زك9: 11، 12). وفي نزوله العظيم أيضا، كرازة بالخلاص والفرح للذين كانوا في سجن الهاوية”فإن المسيح أيضا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى ألله مماتا في الجسد ولكن محيى في الروح. الذي فيه أيضا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن”(1بط3: 18، 19). فما أعظم نزولك العظيم يا إلهنا الحنون الذي به كان خلاصنا وحياتنا.

+ الصعود العظيم:

لو أن المسيح له كل المجد، كان قد اكتفى بتجسده وموته لخلاصنا، لكان اشتياقه الإلهي لكمالنا أمامه لم يكتمل. لذلك فبعد أن تمم حكم الموت واخرجنا من سجن الشيطان، قام يجسدنا الذي نفض عنه الخطية ونتائجها المفسدة للطبيعة البشرية، وأعطانا طبيعته الجديدة بالمعمودية التي بها نلبس المسيح”لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح”(غل3: 27)، وأيضا”تلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق”(أف4: 24). وهنا أصبح لنا الحق في أن نكون معه في عرسه السماوي طالما نحن فيه ومكتسين به. هذا هو لباس العرس الذي يؤهلنا أن نجلس معه في عرشه. فبه غلبنا ونغلب وسنغلب. “من يغلب فسأعطيه أن يجلس في عرشي كما غلبت أنا أيضا وجلست مع أبي في عرشه”(رؤ3: 21). ويالروعة فرح الرب حينما أتم لنا هذا بكل الحب، فقال لنا “أنا أمضي لآعد لكم مكانا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانا، آتي أيضا وآخذكم أليَ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا”(يو14: 2 ،3).

حق ما أعظم صعودك يارب الذي به تؤهلنا للسكنى الأبدية مع الآب والابن بالروح القدس.” وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها، وسمعت صوتا عظيما من السماء قائلا هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم إلها لهم”(رؤ21: 2، 3).
ومرة أخرى نشكر نزولك العظيم يارب، الذي مهد لصعودك الأعظم”وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء”(يو3: 13). هذه هي عطيتك لنا ياابن الله بصعودك الإلهي الغالب”إذ صعد إلى العلاء سبى سبيا وأعطى الناس عطايا”(أف4: 8).

قارئي العزيز، ألا تعلم أن رب المجد “أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع”(أف2: 6)، وذلك بقيامته وصعوده” ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله”(مر16: 19). والسؤال لنا الآن، هل حقا نحن نعيش في المسيح جلوسنا معه في السماوبات؟!، أخشى أن تكون إجابتنا مخزية، فكم مرة جلسنا في مجالس المستهزئين بما فيه من أكل وشرب وخلاعة لآ تتناسب مع قدسية كل ما سبق من كلام. عزيزي أن بكتك الروح القدس وأنت متلبس بوجودك في مجالس المستهزئين التي لا تناسب مركزك كابن للرب، فانسحب فورا وقدم توبة حقيقية حتى لا تعود إلى كورة الخنازير مرة أخرى، فمكانك وبيتك مع المسيح الصاعد الذي هو عن يمين الآب. آمين

 

Skills

Posted on

June 25, 2016

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Share This